ماذا يريد الرئيس الصيني شي جين بينغ؟

د. تمارا برّو

ضجت وسائل الإعلام العالمية المرئية والمسموعة بالحدث الأبرز في الصين وهو المؤتمر الـ 20 للحزب الشيوعي الصيني، وإعادة انتخاب الرئيس الصيني شي جين بينغ أميناً عاماً للحزب، الخطوة التي تمهد لاعادة انتخابه رئيساً لجمهورية الصين الشعبية في مارس /آذار المقبل لولاية ثالثة، معززاً موقعه كأقوى زعيم صيني منذ مؤسس جمهورية الصين الشعبية ماوتسي تونغ، وراعي عملية الإصلاح والانفتاح دينغ شياو بينغ.
خلال فترة عهده منذ سنة 2012، سعى الرئيس الصيني لبناء الصين لكي تصبح دولة حديثة عظيمة، ولتحقيق الحلم الصيني بإحياء النهضة العظيمة للأمة الصينية بعد أن تعرضت للإذلال، وكذلك لتحقيق حياة أفضل للشعب الصيني.
ففي خطابه بمناسبة الذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي الصيني في سنة 2021 رأى الرئيس شي أن الزمن، الذي كان يمكن فيه الدوس على الشعب الصيني واضطهاده، قد ولى إلى غير رجعة. ثم عاد وجدد في خطابه بعد إعادة انتخابه أميناً عاماً للحزب مؤخراً السعي لتحقيق الحلم الصيني المتمثل في إحياء النهضة العظيمة للأمة الصينية. وبعد عشر سنوات من فترة حكمه نجح الرئيس شي جين بينغ بالفعل في تحقيق نهضة اقتصادية سريعة، وأصبح للصين نفوذ سياسي عالمي ودور محوري في النظام الدولي.

خلال عهده قاد الرئيس شي حملة لمحاربة الفساد في الداخل، وشنَّ حملات على صناعة الترفيه وقطاعات التعليم والإنترنت بهدف ضمان استمرار تقدم الصين نحو تحقيق هدف تجديد الشباب الوطني، وأعلن عن حملة الرخاء المشترك لتقليل الفجوة بين الأغنياء والفقراء، واستطاع القضاء على الفقر المدقع ضمن المهلة، التي حددتها الصين. وحقق الاقتصاد الصيني نمواً سريعاً ليصبح ثاني اقتصاد في العالم ومن المتوقع أن يصبح الاقتصاد الأول عالمياً في السنوات المقبلة. وعند تفشي فيروس كورونا، بدأت الصين معركتها ضد الفيروس للقضاء عليه واتبعت سياسة “صفر كوفيد”، وأعطت الأولوية لحياة السكان، ففرضت تدابير الإغلاق. وأدى هذا الأمر إلى تباطؤ الاقتصاد الصيني.
وفي عهده أصبحت الصين أحد اللاعبين الرواد على مستوى العالم في مجال علوم الفضاء، وهي تعمل على بناء محطتها الفضائية الخاصة. فمنذ تولي الرئيس الصيني شي جين بينغ الرئاسة وضع نصب عينيه تحقيق حلم الفضاء الصيني المتمثل بجعل الصين قوة فضائية عظمى، فأخذ يدعم النشاطات الفضائية ويشجع العلماء والباحثين ورواد الفضاء ويحثهم على العمل لتحقيق حلم الفضاء الصيني والنهضة العظيمة للأمة الصينية.
كما تحولت الصين إلى قوة عسكرية عظمى، حيث بنت أكبر أسطول بحري في العالم متجاوزة الولايات المتحدة الأميركية، وطورت ترسانتها النووية والبالستية، وزادت ميزانيتها العسكرية. وتعهد الرئيس شي في كلمة ألقاها، خلال افتتاح المؤتمر الـ 20 للحزب الشيوعي الصيني، ببناء جيش بمستوى عالمي رائد بحلول سنة 2027 الذكرى المئوية للجيش الصيني.
ويدعو الرئيس شي دائماً إلى زيادة الجهود المبذولة لبناء الصين لتصبح رائدة في مجال العلوم والتكنولوجيا وتحقيق الاعتماد على الذات، وأصبحت الصين دولة رائدة في مجال الذكاء الصناعي.  كما أعلن عن مبادرة الحزام والطريق “مشروع القرن” لتطوير البنى التحتية وبناء مجتمع المصير المشترك للبشرية.
وعلى الرغم مما حققته الصين خلال عهد الرئيس شي جين بينغ من تطور وتقدم داخلياً وخارجياً، فإن علاقاتها مع الغرب، ولا سيما الولايات المتحدة الأميركية، ازدادت توتراً. فواشنطن ترى في بكين المنافس الأول لها، وهذا ما ورد في استراتيجية الأمن القومي الأميركي، التي أصدرتها إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، والتي عدَّت فيها الصين المنافس الوحيد الذي يمتلك النية لاعادة تشكيل النظام الدولي، والذي يحظى بإمكانيات متزايدة اقتصادياً وديبلوماسياً وعسكرياً وتكنولوجياً للقيام بذلك.
الولايات المتحدة الأميركية ترى أن الصين تسعى لبسط نفوذها لكي تصبح القوة الأولى عالمياً، ولذا تلجأ إلى محاصرتها وإعاقة تقدمها وتطورها عبر توتير علاقاتها مع جيرانها ودول الغرب، أو تعمد إلى تحريك ملفات تتعلق بالأمن القومي للصين كملف تايوان أو فرض عقوبات عليها بسبب اتهامها بانتهاك مسلمي الإيغور في شينجيانغ، أو زيادة التوتر في بحر الصين الجنوبي، وإنشاء تحالفات أمنية في منطقة المحيط الهادئ والهندي، وأخيراً وليس آخراً فرض قيود على صادرات التكنولوجيا المتطورة الى الصين. ونظراً لأن مشروع “الحزام والطريق” يثير مخاوف واشنطن، فقد اتفقت دول الغرب على تأسيس مشروع منافس لطريق الحرير أقرته مجموعة السبع في سنة 2022. وأحيانا تثير أميركا ما يسمى بدبلوماسية فخ الديون أي أنَّ الصين تثقل كاهل الدول الفقيرة بالديون. وعندما تعجز الأخيرة عن سداد ديونها، تستولي الصين على مرافقها العامة، وذلك لثني الدول عن التعاون مع الصين وإفشال مبادرة “الحزام والطريق”. ومن جهة أخرى تضغط على حلفائها لعدم التعاون مع الصين في مجال شبكات الجيل الخامس كما حصل مع فرنسا وبريطانيا والإمارات والسعودية.
أمام الرئيس الصيني اليوم تحديات كبيرة داخلياً وخارجياً لتحقيق الحلم الصيني للنهضة بالأمة الصينية وبناء مجتمع المصير المشترك وإنجاح مبادرة ” التنمية العالمية” التي اقترحها في وقت يزداد فيه التوتر بين الصين والولايات المتحدة الأميركية، ورغبة بكين في ضم تايوان سلمياً أو عسكرياً إن استدعت الضرورة، ذلك للحفاظ على الأمن القومي الصيني باعتبار أن تايوان جزء لا يتجزأ من الأراضي الصينية، وكذلك لكف أيدي القوى الغربية والانفصاليين التايوانيين عن العبث بأمن الصين، وفي وقت يشهد العالم فيه أيضاً تغييرات وتحولات دراماتيكية وتباطؤًا للاقتصاد العالمي نتيجة تفشي فيروس كورونا والحرب الروسية الأوكرانية.

نقلاعن رأي اليوم 

سبت, 29/10/2022 - 10:39