بغض النظر عن الاختلافات العديدة لميكانيزمات تعريفات علم السياسة بصورة عامة ، وما يرتبط بها من ممارسة تختلف بشكل كبير على اختلاف المدارس و التوجهات عبر العالم .
إلا أن العامل الأساسي و شبه الوحيد ، الذي تتمحور حوله و لحد كبير جدا من وجهة نظري المتواضعة ، هو التعريف القائل بأنها هي : ( التفاعلات البشرية المحيطة بتحديد من يحصل على ماذا ومتى و كيف - هارود لاسويل 1950..) .
وبما أن التفاعلات البشرية مرتبطة بالعوامل الديمغرافية و السوسيولوجية لحد كبير جدا ، و بشكل وثيق وأدق بتطور أنماط و أساليب عيش المجتمعات ..
وبالنظر من زاوية البعد الصحي مثلا ، فقد كان لتداعيات الأزمة الصحية العالمية الأخيرة بسبب تفشى وباء فيروس كورونا ، أثر كبير وإيجابي في نفس الوقت يحسب رقميا واقتصادية لصالح (التجارة الالكترونية) ، حيث استفادت هذه الأخيرة من جميع البروتوكولات الصحية المطبقة على المجتمعات ، والمتمثلة في إلزامية التباعد الإجتماعي ، فتنامت و تطورت هذه التجارة بشكل سريع جدا ، فقد لاحظنا جميعا وفي لمح البصر أن المياردير جوزيف بيزوس تربع على عرش أغنياء العالم ، لما قدمت شركته امازون وشركاتها الفرعية من حلول وبدائل و خيارات للبشرية في هذا الظرف الاستثنائي العصيب ..
كما أن الحكومات و المنظمات الدولية و الإقليمية قلصت من التواصل البشري في الاجتماعات المختلفة ، معتمدة على الافتراضية منها في الكثير من الأحيان ، وذلك من أجل المحافظة علي ديمومة العمل التعاوني بين كافة الشركاء ، لما لذلك من أهمية بالغة على أمن و استقرار ورعاية المصالح المشتركة في المنظومة الدولية بصورة عامة ..
بالاضافة إلى أن مشروع الحكومة الالكترونية الجديدة ، قد اتسعت رقعته بشكل واسع النطاق في الكثير من بلدان العالم في الآونة الاخيرة ، لما يقدم من حلول وبدائل تسهل على المواطن التواصل مع المرفق العام بيسر و سهولة و نجاعة وسرعة وأمان ، كما تضمن الولوج السريع الى المعلومات من قبل الجهات الحكومية و مختلف القطاعات ..
ونظرا إلى التطور السريع في وسائل التواصل الاجتماعي بين الأفراد و ولوج الجميع إلى وسائطه الإلكترونية المختلفة ، فقد بات مفهوم (السياسة الإلكترونية) يفرض نفسه على كافة المتعاطين للشأن السياسي والاجتماعي ، للتواصل اللحظي و المستمر مع جماهيرهم و تمرير رسائلهم ، و الارتباط بهم بشكل وثيق ، وكذلك الحشد الكمي الافتراضي المتاح في أي وقت ..
فكما هو ملاحظ فإن أساليب التأثير الشعبوي السياسي أو النخبوي مع الجماهير تغيرت وبشكل كبيرة جدا ..
إنه وفي ظل التأثير السلبي للعديد من المتربعين على عرش المنابر الرقمية الآن والموجهة منها خصيصا الى ساحتنا السياسية و الاجتماعية ، ولما يروجون في غالب الأحيان من خطابات عصرية وكراهية و دعوة في جوهرها لتحطيم القيم و المرجعيات و للأخلاق بصورة عامة ، وتزايد متابعيهم و اتساع دائرة تأثيرهم بشكل سريع جدا .
ومن هذا المنطلق فإن السياسيين وصناع الرأي المستنير مطالبون بالحضور على منصات الوسائط الاعلامية الرقمية المتعددة ، من أجل لعب أدوارهم السياسية و الاجتماعية والوطنية بشكل مباشر في عالمنا الجديد ، عالم الرقمنة و التواصل الافتراضي ، ومن أجل تأكيد حضورهم و ارتباطهم المستمر بالجماهير و بالحشود ، تعبئة و توجيها و إنارة ، حتى يضطلعوا بأدوارهم المجتمعة التي تترجم غيرتهم على قيم الجمهورية و على المصالح العليا في البلد ، حتى يكونوا بذلك رواد المشهد و صناع الحدث ، لا أن تقتصر أدوارهم على لعب دور الضحية في غالب الأحايين …!!!