قالت السيدة الأولى مريم بنت محمد فاضل ولد الداه، إن المرأة الموريتانية أثبتت قدراتها وتميزها وتفردها في المهام التي أسندت إليها بكل جدارة وكفاءة.
وأضافت بنت الداه خلال مشاركتها، اليوم، في مؤتمر لمنظمة الإيسيسكو تحت عنوان "المرأة وقيادة الجامعات/ السياق والتحديات والآفاق"، أن جهود موريتانيا ستتواصل من أجل تمكين المرأة في المناصب القيادية والتنفيذية والمعنوية.
وأكدت بنت الداه، أن موريتانيا قطعت أشواطا مهمة على طريق منح المرأة مكانتها اللائقة، مشيرة إلى أهمية قيادة المرأة لتحقيق التقدم المنشود في مختلف مجالات الحياة.
وفيما يلي نص الخطاب:
"السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
اسمحوا لي في البداية أن أتقدم بخالص الشكر وعظيم الامتنان لمعالي المدير العام لمنظمة العالم الاسلامي للتربية والثقافة والعلوم د. سالم بن محمد المالك على الدعوة الكريمة وعلى تشريفي بالتحدث أمام هذا الجمع الموقر وبهذه المؤسسة المهيبة التي تشكل حاضنة العمل الاسلامي الخلاق والحارسة الحادبة على تراثنا الزاخر تربية وثقافة وعلوما.
ويسرني أن ألتقي جمعكم الكريم في هذا الفضاء الذي تتنزل به الرحمات وهو يحتضن تنظيم المعرض والمتحف الدولي للسيرة النبوية وما يحمله من تعريف بسيرة وشمائل خير البرية واستعراض للحضارة الاسلامية ومقاصد رسالة الاسلام الخالدة.
أيتها السيدات والسادة
بعد إطلاق الايسيسكو مبادرتها " بإعلان عام 2021، عاما للمرأة، تحت شعار : "المرأة والمستقبل" ها هي تجمعنا مجددا تحت مظلتها حول قضايا المرأة وريادتها، وهذه المرة من باب الريادة الأكاديمية، وغير خاف أن اختيار شعار: المرأة في قيادة الجامعات.. الواقع والتحديات والآفاق، عنوانا لمؤتمرنا الحالي يعمد بشكل مثر الى توصيف حاضر المرأة بعالمنا الإسلامي، ويستشرف بشكل مغر ومحفز مستقبل التمكين لها. كما يعكس بجلاء أن استراتيجية تمكين المرأة التي تتبناها المنظمة تواصل المضي قدما في تحقيق غاياتها الكبرى والنبيلة.
وإن انعقاد هذا المؤتمر بشراكة استراتيجية مع جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن، وبالتعاون مع اتحاد الجامعات الإسلامية وهي حواضن مؤسسية وهيئات مرجعية في دعم واحتضان وتأطير، جهود المرأة في التعليم العالي، ليمثل إضافة نوعية تعضد من التوجه الاستراتيجي القائم على مباشرة الأعمال المؤثرة لصالح تعزيز مكانة المرأة، وتقوية مركزها.
السادة والسيدات
إن تنظيم هذا المؤتمر يمثل لبنة مهمة تنضاف الى عديد المبادرات النوعية التي ظلت منظمة الأيسيسكو تنظمها وترعاها طيلة مسيرتها الموفقة، خاصة في مجال التربية والتنمية المجتمعية بدءا بمشروع تعزيز قدرات النساء في مجال ريادة الأعمال وبرنامج سفيرات الايسيسكو وصولا لإنشاء كراسي الايسيسكو العلمية وبرنامج نساء رائدات...
وهي مبادرات أصيلة، وجيهة ومقدرة، تشي بمناصرتكم الدائمة لقضايا المرأة ووعيكم العميق بواجب معالجة الاختلالات التي تحول دون التمكين لها، سواء كانت تلك المعوقات ذات طبعة تشريعية غير تحفيزية أو ذات صلة بالنظرة المجتمعية التمييزية، أو كانت مرتبطة بالجدر الخفية والسقوف الزجاجية Le plafond de verre (Glass ceiling) التي تشكل شواهد لتجذير الغبن ومعوقات دون التمكين للمرأة.
ايها السادة والسيدات
لنا أن نستحضر باعتزاز ونحن في رحاب منظمة العالم الاسلامي للتربية والثقافة والعلوم أن بدايات التحرير الفعلي للمرأة تكريما وتعليما كانت مع دينننا الإسلامي الحنيف وأن أول جامعة وضعت للناس كانت بهذا العالم وعلى يد نساء مسلمات، وأن إضطراب المسار التمكيني للمرأة بعالمنا الاسلامي كان يعود في كل مرة الى طبائع الواقع والوقائع ومستويات إستلهام وفهم وتطبيق مبادي ديننا الحنيف وقيمه السامية في نقائها الابدي وفي تفاعلها المتواصل مع العصر.
ولقد اضطلعت المرأة في عالمنا الإسلامي بدور ريادي في مجالات التربية والتعليم .
وقدمت مجتمعاتنا الإسلامية نماذج نسائية رائدة في تأسيس وقيادة مؤسسات التعليم العالي، بل وولدت الجامعة موسومة بتاء التأنيث تأسيسا ولغة ، فكانت فاطمة الفهرية مؤسسة أقدم جامعة في العالم جامعة القرويين، وهي الجامعة التأسيسية التي نبهت عزائم الملوك بالتعبير الخلدوني فدعموها وازروها بدء من دولة الادارسة فالدولة الزناتية وصولا لدولة المرابطين والمرينيين والموحدين والدولة العلوية وتسابق كل الملوك منذ 12 قرنا لدعم الرائدة السابقة لزمانها فاطمة الفهرية وهي تواجه تحدي التأسيس وسارعوا لتوسيع العطاء العلمي لجامعتها الفريدة.
و في بلدنا، الجمهورية الإسلامية الموريتانية اشتهرت عدد من النساء قديما بدورهن في رفد الحياة العلمية بالجامعات الشنقيطية المعروفة بالمحاضر ، والمصنفة ضمن التراث الإسلامي. والتي تميزت بعطائها العلمي المشهود وأسست في سابقة من نوعها لمفهوم البداوة العالمة، وكان لعدد من نسائنا صيت كبير كعالمات في اللغة والفقه والسيرة وغيرها من المعارف التي كانت متداولة في محيطهن وعصرهن.
وفي عصرنا الحديث تعمل السلطات الموريتانية بشكل دؤوب على زيادة التمكين للمرأة وتأمين مشاركتها الفاعلة وإستثمار طاقاتها النوعية.
وتهدف الاستراتيجيات الخاصة بالتعليم العالي بموريتانيا وهي الاستراتيجية الوطنية للتعليم العالي في أفق 2030 والاستراتيجية الوطنية للبحث العلمي والإبتكار الى المزيد من تمكين المرأة في التعليم الجامعي بعد كسب الرهان في الرفع من مستويات تمدرس البنات في المستويات الابتدائية والثانوية والجامعية.
وتؤشر الأرقام الخاصة بنفاذ النساء الى التعليم ببلادنا لمستوى معتبر يترجم حجم الجهود المبذولة ومستوى التقدم الحاصل، إذ تمكنت بلادنا من تحقيق المناصفة في مجال التعليم الابتدائي والثانوي ووصلت أعداد الطالبات بالتعليم الجامعي نسبة أربعين بالمائة.
وتدعم حكومة بلدي كل المبادرات الرامية الى مواصلة النساء تعليمهن الجامعي وما بعد الجامعي، وشهدت السنة الماضية تعيين أول وزيرة تعليم عال بموريتانيا كما سبق لسيدتين موريتانيين أن أدارتا مؤسسات جامعية ولم تثبت تجارب إدارة النساء لهذه المؤسسات القدرة والكفاءة فقط وإنما كذلك التميز والتألق.
وبقدر ما تدعو متابعة هذه الارقام الى الاعتزاز بالإنجاز فإنها تسلمنا الى عتبة أخرى يكون فيها التحدي مغايرا. اذ لم يعد يتعلق بتأمين التعليم والتدريس الجامعي للفتيات وإنما بعدم تناسب هذا العدد مع مستويات نفاذ النساء الى المناصب القيادية بالمؤسسات الجامعية .
أيتها السيدات والسادة
من الانصاف الاعتراف بأن حديثنا عن الأدوار الرائدة للمرأة المسلمة تاريخيا وعن المؤشرات المبشرة بما تحقق لها في عصرنا الحالي لا يعني بحال أننا وصلنا الى الغاية المنشودة، أو أننا ذللنا كل العقبات في طريق التمكين للمرأة، وقيامها بدورها الاجتماعي والتنموي كاملا، بل لا يعني أننا قطعنا الشوط الرئيس في سبيل ذلك.
فمساءلة واقع التجربة يكشف حقيقة تنوع التحديات الجمة التي تواجه تمكين المرأة، في بلداننا العربية والافريقية الإسلامية، من القيام بدورها كاملا في منظومات تعليمنا العالي ولكن هذه التحديات هي من نوع التحديات الفرص التي يتعين استثمارها وكسبها ويجب أن تخلق لدينا التحفيز والأمل اللازمين لكسب الرهان
أيتها السيدات والسادة
إن البحث العلمي والابتكار والتقنيات الحديثة تحتاج إلى إطار حضاري يضع نتائجها في سياقاتها الاجتماعية الصحيحة، ويوجهها نحو استخداماتها السليمة، ومساهمة المرأة هي الضمانة الأساس لهذا التأطير الذي يحفظ للبشرية إنسانيتها وللمجتمعات هويتها، وللتنمية استدامتها وللدولة حكامتها الراشدة. ومن هنا يعظم دور المرأة في قيادة الجامعة، وتتضاعف مسؤوليتها بصفتها حامية القيم وحاضنة الهوية وموئل الأخلاق..
أيتها السيدات والسادة
إن مؤتمرنا الموقر هذا في منظمتنا المهيبة هذه يجب أن يكون أذانا للناس وايذانا بانطلاق عمل متواصل تتكامل فيه جوانب التوعية والتثقيف وتطوير التشريعات مع العمل على تعبئة الموارد المالية، وصولا لخلق الظروف الملائمة لتحقيق المرأة طموحاتها وتطلعاتها في قيادة المؤسسات الجامعية، ففي ذلك اعتراف بحجم الغبن وانصاف لنصف البشرية وتامين لاستدامة التنمية.
وقبل أن أنهي هذه الكلمة، لا يسعني الا تجديد الشكر لكم وتأكيد الدعم لجهودكم
وتمني النجاح لملتقانا المبارك الذي يمثل بحق منصة ثمينة واطارا أنسب لصهر جهود جميع المهتمين بقضايا المرأة الاسلامية تعليما وتحصينا وتمكينا.
كما انتهز الفرصة لأدعو منظمة الايسيسكو وجامعة الأميرة نورة، واتحاد الجامعات الاسلامية وكل المؤسسات المهتمة الى تكثيف جهودها بشكل متكامل لتأمين تحقيق تقدم متواصل في مجال نفاذ المرأة لقيادة الجامعات وإصدار تقارير دورية محينة عن موقعها في التعليم العالي، تشكل مرجعا لكل المهتمين وتعمل على استثمار التشخيص وتجاوز التوصيف لاقتراح الحلول.
وستشكل هذه المؤتمرات النوعية المتخصصة والتقارير الدورية المقترحة حول مستوى حضور المرأة في قيادة الجامعات أداة نموذجية لرفع منسوب الوعي ووسيلة أنجع لإعمال اليات التقييم والمتابعة ولتحفيز التنافسية على الممارسات المثلى في مجال التمكين للمرأة في المجال الأكاديمي.
وفق الله مسعاكم ...والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته"