زوم الصحراء (27): من تونس.. الفرنكوفونية تقاوم التراجع

في ظل مؤشرات في أكثر من صعيد تدل على تراجع الافرنكفونية في أكبر معاقلها وأهمها استرتيجيا انعقدت القمة الافرنكفونية الثامنة عشر في تونس نهاية الشهر الماضي فيما اعتبره متابعون محاولة لمقاومة منحنيات الهبوط، واستعادة دور المنظمة التي ترفع شعارات ثقافية ولكنها تحقق نفوذا واضحا لدول كبيرة أولها بالطبع فرنسا ومن بعدها كندا.

 

في زوم هذا الأسبوع نتوقف مع تداخلات الثقافي والاستراتيجي في عمل المنظمة العتيدة، وظلال الوضع في أحد أبرز معاقل النفوذ الاستراتيجي على مسار المقاومة ومخططات العودة.

 

المنظمة.. تاريخيا

تأسست المنظمة في سبعينات القرن الماضي من طرف بلدان محدودة من بينها ثلاث بلدان إفريقية هي: تونس والغابون والسنغال، وكان هدف تأسيسها وهاجس مؤسسيها الرئيس هو نشر اللغة والثقافة الفرنسية، وقد حققت انجازات كبيرة قياسا بالمنظمات الشبيهة فعضويتها حاليا 88 دولة منها 29 دولة افريقية ، وقد أصبحت اللغة الفرنسية هي اللغة الخامسة عالميا بعد الصينية والإنجليزية والاسبانية والعربية، لكن تلك المكتسبات تشهد تراجعات ملحوظة في السنوات الأخيرة نتيجة عديد العوامل منها:

 علميا وتقنيا (هيمنة الانجليزية في المجالين بشكل كبير)
سياسيا وثقافيا (ذاكرة الاستعمار النازفة التي ظلت تنشطها ممارسات وإصرار على عدم الاعتذار).

 

القمة.. زمانا ومكانا

انعقدت القمة في تونس بعد تأجلين أحدهما لسبب صحي( جائحة كوفيد) 2020 والثاني لسبب سياسي ( الأزمة السياسية) حيث اعترضت كندا على انعقاد قمة المنظمة التي يحكمها ميثاق يؤكد على الديمقراطية وحقوق الانسان في بلد يعرف وضعا سياسيا تصنفه المعارضة وعديد المنظمات الحقوقية الدولية بأنه انقلاب على الديمقراطية.

 

كان تنظيم القمة في تونس الآن 2022 دليلا على أن المشاركين فيها يعتقدون بانقشاع الأزمتين الصحية والسياسية؛ وكان لافتا خلال القمة تقديم فرنسا دعما اعتبر سخيا للحكومة التونسية 200 مليون أورو في مجالات ليست واضحة الصلة بالجانب الثقافي من عمل المنظمة.

 

أما بالنسبة للزمان فقد كان واضحا أن معطيين كان لهما التأثير في القمة انعقادا ومكانا ومخرجات:

 

الحرب الروسية الأوكرانية بكل تداعياتها الثقيلة وخصوصا منها حاجة أوروبا وفرنسا في الطليعة منها لكل ما قد يجلب الدفئ بديلا عن الغاز الروسي، وهنا كان حديث الغاز والطاقة البديلة حاضرا أيضا في الكواليس.

 

أما المعطى الثاني وهو من الأول غير بعيد وإن كان سابقا له وأكثر عمقا منه فهو حالة التمرد على فرنسا في أحد أهم معاقلها حيث تتالى الانقلابات "الخارجة عن السيطرة" أو المتخففة منها في أحسن الأحوال (مالي، بوركينا افاسو، غينيا كوناكري..)

البحث عن المستقبل 

اختارت القمة شعار "التواصل في إطار التنوع: التكنولوجيا الرقمية كرافد للتنمية والتضامن في الفضاء الفرنكوفوني" ويكشف هذا الشعار المركب عن "رؤية المستقبل" وتلمس المنظمة التي تضغط عليها مؤشرات التراجع عن موطأ قدم فيه:

 

فهو يدرك أن الفرنكوفونية لغة وثقافة والتي أحكمت لعقود سيطرتها في التعليم والادارة والثقافة والمعرفة تواجه اليوم تراجعا متسارعا في وسائط التواصل الاجتماعي المؤثر الأكبر في الرأي العام وخصوصا الأجيال الشابة التي يكبر معها خطاب التذمر على الوضع القائم (والفرنكفونية فاعل رئيس فيه)، وقد كان لافتا أن الرئيس الفرنسي عقد على هامش القمة ما يشبه القمة المصغرة مع عدد من "المؤثرين في الشبكات الاجتماعية" استحثهم خلاله على عمل ما يستطيعون لكي تستعيد الفرنكوفونية تأثيرها في هذه الوسائط (يذكرنا هذا اللقاء بقمة شبيهة عقدها في باريز في مستهل مأموريته الأولى خاطبته خلالها فتاة بوركينابية خطابا دق ناقوس الضيق بالنظرة الفرنسية التقليدية للشراكة مع فرنسا.

وهو مستوعب أن أي حديث عن الفرنكوفونية لابد أن يكون مدرجا ضمن مقاربات تنموية شاملة عسى أن يفتح لها ذلك العقول والبرامج فالبعد الثقافي وحده لم يعد عنصر تسويق جذاب.

استخلاص:

برغم ما تواجه الفرنكوفونية من تحديات لكن أفولها ليس وشيكا كما "يبشر" بذلك بعض من يجاهرونها العداء ذاك أن:

 أن المصالح بين دولها قوية ومتشابكة برغم ما يكتنفها من إشكالات هنا وهناك.
وهي في بعدها الثقافي راسخة إذ يمتد حضورها في بعض المناطق  لما يزيد على القرنين.

 

والبديل عنها إذ استثنينا العربية واللغات المحلية التي تحظى بمكانة خاصة في نفوس الشعوب متلبس بنفس العيوب التي تنفر منها (لغات وثقافات استعمار - نتحدث هنا بشكل محدد عن الانجليزية - له مطامح وأيديه ملطخة بدماء الشعوب التي تكبر فيها نزعات التحرر والاستقلالية).

فالراجح إذا أن صراع المنظمة الفرنكوفونية لمقاومة التراجع، هو بعض من صراع التدافع القوي الذي يمر به العالم ستكون نهايته في الغالب كسر الأحاديات وتكريس التعدديات.

سبت, 03/12/2022 - 11:05