كأس العالم "حلال

محمد الأمين ولد محمودي

...وتوشك أيام كرة القدم العالمية هذه على الانقضاء،ليرجع الناس فرادى وجماعات الى بلدان شتى،من جبال الأنديز الى افريقيا مرورا بروسيا والصين الى الخليج وأقصى السمراء،سيعود الجميع بتقييم لكاس العالم كما هو الحال بعد كل تظاهرة بهذا الحجم..البلد المنظم صغير جدا والملاعب متقاربة لكن المنظمين وظفوا المال توظيفا جعل تنظيمهم يبدو مختلفا عن تنظيم الدورات السابقة..سيخرج الزوار بملاحظات قد تكون مهمة في فهمهم للآخر وتعايشهم مع الآخر وتقبلهم لقيم الآخر وان اختلفت جوهريا مع قيمهم هم وافكارهم وعاداتهم،ومن هذه الملاحظات التي حرص القطريون على ايصالها هي ان كأس العالم قد تقام في كل بلد بدون مشكلة مادامت الفيفا تدرك ان الشعوب ليست نسخة طبق الأصل،فلماذا مثلا لاينظم من يؤمنون بالحلال والحرام كأس العالم "حلال" تماما كاللحوم الحلال وغيرها مادم المستضيف يعتقد بحلية بعض الأمور وحرمة أخرى، ومادام دينه لايقبل غير ذلك، تماما كما لاتقبل الأديان الأخرى بعض مايريده آخرون وان احتمرموهم بشأنه حين كانوا في بلدانهم..كأس العالم بلاخمور ولاجموح ليست بالتأكيد غاية لدى الكثيرين لكنها مطلب للبلد المنظم والشعب الذي فتح ابواب بيوته للضيوف ولغالبية المسلمين،كما ان حضور شعارات غير مقبولة لدى هذا الشعب لم يكن لائقا ولاوديا،ثم ماذا حصل في النهاية؟

لعب الجميع،وتبارى الجميع ثم تنافسوا في أجواء غير مسبوقة كما اكتشف الزوار ثقافة العرب كاملة غير منقوصة وغير مشوهة او ملوثة..ساروا في أزقة الدوحة كعائلات دون ان يعترض سبيلهم لص او قاطع طريق ولم يسمعوا في تجوالهم الا عبارات من قبيل يامرحبا او سنفوز او حظا موفقا،ثم شاهدوا صفوف الصلاة وهي تنتظم في الشوارع والسوح دون ان تخيفهم كما عرفوا ان عبارة "الله أكبر" ليست مرعبة ولاعلاقة لها بالقتل او الارهاب والترويع..هي كأس العائلات لأول مرة وهي كأس احترام البيئة والانسان والقيم المشتركة ففي الأخير هي كأس للجميع وليست لقيم أقوام عن أقوام..في النسخ القادمة نظموها كما يحلو لكم فذلك حقكم المطلق لكن في الهند لن تذبحوا بقرة،وفي استراليا لن تجعلوا الجمل شعارا للتظاهرة وفي آمريكا الجنوبية لن يقدر أحدكم على انتقاد تجسيم وتأليه مريم المجدلية..هكذا تكون فعلا كأسا للجميع.

ومهما قيل فان هذه الدورة اعتبرت بحق الدورة التي حافظت للعائلات على جو يمكن اجتماعها فيه بدون حرج،كما ان المغاربة علموا العالم من منطلقهم الثقافي ان الأم اولى بكل احتفال،ولعل مشاهد ستبقى في الذاكرة والى الأبد،كبكاء اسواريز بسبب من ابكاهم ذات يوم، ودموع رونالدو الذي تركوه على الدكة كجليسة أطفال،ثم ضحكة بونو تحت قمة الضغط،وأخيرا الصبي الكرواتي الذي أصر على مواساة نيمار..انها كرة القدم اللعبة التي لاغل فيها ولا أحقاد ولاضغائن..في النهاية هم صبية يجرون وراء كرة لاسعاد البشرية والهائها عن الدمار والحروب والويلات،لكنهم بهذا اعقل من الكبار وقطر أعقل من الجميع لأنها أصرت على تقديم أمتها للعالم بمقبلات وتحلية.

اثنين, 12/12/2022 - 21:02