قرار البرلمان الأوروبي حول المغرب يثير جدلا واسعا

لا تزال تداعيات تبني البرلمان الأوروبي لقرار ينتقد المغرب مستمرة، إذ أثار ردود أفعال مستنكرة، كان آخرها قرار السلطة التشريعية المغربية إعادة النظر في علاقتها مع نظيرتها الأوروبية، مستنكرة ما جاء في القرار.

واعتبرت الفعاليات السياسية المغربية، بكل ألوانها، أن قرار البرلمان الأوروبي الأخير حول المغرب، يعتبر تجاوزا في صلاحيات هذه المؤسسة التشريعية وتدخلاً في الشؤون الداخلية لدولة ذات سيادة.
وانتقد البرلمان الأوروبي حرية الصحافة والتعبير في المغرب، داعيا إلى "إنهاء المتابعة القضائية التي طالت عددا من الصحفيين".

جاء ذلك وفق قرار صوّت عليه الخميس، 356 عضوا بالبرلمان الأوروبي مقابل رفض 32 وغياب 42 من إجمالي 430 نائبا.

ووصف وضعية حرية الصحافة في المغرب "بالمتدهورة باستمرار على مدى العقد الماضي"، وحث السلطات في المملكة على احترام حرية التعبير والإعلام.

مغامرة غير محسوبة

تفاعلا مع الموضوع، اعتبر عبد الرحيم شهيد، رئيس الفريق الاشتراكي بمجلس النواب، موقف البرلمان الأوروبي مغامرةً بالمعنى الحقيقي للكلمة لأنه يجازف بالشراكة الاستراتيجية التي تجمع المملكة المغربية بالاتحاد الأوروبي ويُضر بمصالحهما المشتركة في مختلف المجالات.

وشجب المتحدث سلوك البرلمان الأوروبي، واصفا إياه بـ"المتسرع" الذي يعبث بالثقة المشتركة كما راكمتها السنوات الأخيرة، مُنوها بالمقابل بالموقف الإيجابي لنواب الحزب الاشتراكي الإسباني بالبرلمان الأوروبي الذي تحلى بالشجاعة اللازمة لإعلان اعتراضهم الصريح.

 المغرب انخرط في إصلاحات عميقة

ولم يَفُت شهيد، بهذه المناسبة، التذكير أن المملكة المغربية انخرطت، منذ مدة طويلة، بقناعة ومسؤولية، في مسار تطوير نموذجها الديمقراطي بتفعيل مجموعة من الإصلاحات السياسية والمؤسساتية العميقة؛ ولعل أبرز هذه الإصلاحات، المبادرات الحقوقية الجريئة وخلق جو من الانفراج السياسي بالإعلان عن هيئة الإنصاف والمصالحة لتحقيق المصالحة الوطنية.

وبحسب النائب البرلماني، فقد تكرست هذه الإصلاحات بإصدار دستور 2011 الذي أرسى فعليا مرتكزات دولة المؤسسات، وكرس مبدأ الاختيار الديموقراطي، وأقر منظومة من هيئات ومؤسسات دستورية معنية بحماية الحقوق والحريات والنهوض بها، حيث توج المغرب هذا المسار الإصلاحي بالانخراط الفعلي في منظومة حقوق الإنسان الدولية، والانفتاح الطوعي على الإجراءات الخاصة والتي كُللت بزيارة العديد من المقررين الخاصين وفرق العمل بوتيرة متواصلة للمغرب، وكذا تقديم المملكة تقارير إلى المفوضية السامية لحقوق الإنسان والتفاعل مع آليات التظلم لدى مجلس حقوق الإنسان، والتفاعل الدائم مع آلية الاستعراض الدوري الشامل.

 تجاهل مقصود

في معرض حديثه، أعرب عبد الرحيم شهيد، رئيس الفريق الاشتراكي بمجلس النواب، عن استغرابه للتجاهل المقصود لكل هذه المسارات والآليات الأممية التي تناقش مختلف الحالات التي اختار البرلمان الأوروبي الحديث عنها، وتبنيهم لمغالطات تبدو في مظهرها حقوقية مرتبطة بالدفاع عن حرية الرأي والتعبير. لكن حقيقة الأمر أن الهدف من وراء ذلك سياسي مكشوف، تم اعتماده من أجل تصريف الأزمات التي تحاصر المجموعة الأوروبية كتكتل سياسي واقتصادي أو كدول مستقلة في مواجهة تداعيات وباء كوفيد والحرب الدائرة في شرق أوروبا.

وتابع، أن "هذا الموقف الأوروبي يأتي في سياق خدمة مصالح لوبيات متعددة من مصلحتها مهاجمة المغرب وخوض حرب بالوكالة لصالح خصوم وحدته الترابية".

وعلى هذا الأساس، يضيف شهيد، دعونا في الفريق الاشتراكي بمجلس النواب، أعضاء البرلمان الأوروبي، أصحاب الموقف المغامر، إلى عدم التدخل في الشؤون الداخلية المغربية والتفرغ لمعالجة، ما أسماه "الفساد القيمي والمؤسساتي" الذي أظهرته فضائح الرشوة الأخيرة. مؤكداً على أهمية الشراكة الأوروبية المغربية، وضرورة استمرار العمل المشترك لتطويرها من أجل تعزيز ما تم بناؤه من علاقات الثقة المتبادلة بين المغرب والاتحاد الأوروبي.

المغرب لن يقبل الإملاءات

نفس الموقف دافع عنه محمد بودن، رئيس مركز أطلس لتحليل المؤشرات والمؤسساتية، إذ أكد أنه لا يمكن تفسير قرار البرلمان الأوروبي في إطار المنطق الدبلوماسي لأن المملكة المغربية دولة مستقلة وذات سيادة ولا يمكنها أن تقبل الضغط السياسي أو الإملاءات.

وتابع في تصريح لـ"سكاي نيوز عربية": "إذا تم الحفاظ على نهج التربص وعقلية الوصاية والاستعلاء في التعامل، فلن يكون من الممكن للبرلمان الأوروبي تقديم مساهمة بناءة في العلاقات المغربية – الأوروبية".

وأبرز المتخصص في العلاقات الدولية، أن القرار الأخير للبرلمان الأوروبي لن يمنع الطموح المغربي من التقدم، ويمثل انعكاسا لإحباط صوم المغرب وفشلهم المستمر في النيل منه وعزله.

الوفاء بالالتزامات

في سياق متصل أكد بودن، أن "المغرب ليس بلدا كاملا أو مثاليا، شأنه شأن بلدان أخرى، لكن له مؤسساته وسيادته القضائية ونموذجه الخاص به. وبالتالي فإن القرار الأخير ليس هدفه الدفع نحو الأمام بل إنه يستخدم حقوق الإنسان لتغذية مصفوفة سلبية حول المغرب ومحاولة لبيع بضاعة فاسدة في عبوات لامعة عبر تقديم صورة غير متوازنه للتطورات القانونية والوقائعية للقضايا المثارة".

وطالب الخبير، البرلمان الأوروبي بأن "يفي بالتزاماته تجاه المغرب في إطار القيم المشتركة دون التدخل في السيادة القضائية والمسائل الداخلية للمغرب وعدم مخالفة مواثيق الأمم المتحدة، واتخاذ خطوات مشجعة لمعالجة القضايا الثنائية لأن أي منظمة تختار مثل هذه الطرق لتجاوز حدود السيادة ستحصل على الإجابة المناسبة من طرف المغرب".

نقلا عن سكاي نيوز عربية 

جمعة, 27/01/2023 - 13:04