تثير عملية فرار المدانين بالارهاب العديد من التساؤلات ، فكيف استطاع الفارون التخطيط لتحركهم بعيدا عن أعين حرس السجن ودون انتباه عناصر الاستعلامات؟ وهل كان التخطيط يشمل الأربعة الفارين أم أن بعض "العناصر كانت مشاركة في التدبير والتخطيط وربما التمويه والتنفيذ؟ والسؤال الأبرز هو كيف استطاع هؤلاء تجاوز خمس بوابات محكمة الإغلاق دون أن يكون لديهم شريك من ضمن الحراس؟
إن الرأي العام بحاجة للحصول على إجابات بهذا الشأن، خاصة وأن العناصر الأمنية الموجودة في السجن لا يمكن بحال من الأحوال ان تقل عن 30 عنصرا يفترض ان تدخلهم في إحدى محطات الفرار كان سيكون كفيلا دون حصول الكارثة التي راح ضحيتها شهيدان من الحرس وجريحين، وفي انتظار الحصول على توضيحات بهذا الشأن دعونا نلقي نظرة على الشخصية الأهم في هذا الفرار!.
انه السالك ولد الشيخ من مواليد مدينة أطار لديه سجل حافل في التخطيط للعمليات ضد موريتانيا ومصالحها وهو فوق هذا يمتلك رقما قياسيا في محاولات الفرار من السجون..
في يوم 19/04/2011 قامت وحدات النخبة في الجيش ممثلة في الحرس الرئاسي بقيادة النقيب شيخنا ولد القطب، وفرق من الشرطة عالية التدريب على مجابهة الإرهاب يقودها المفوض حبوب ولد النخ برصد ومتابعة سيارات مفخخة بمُتفجرات عالية الخطورة ويستغلها إرهابيون على صلة بتنظيم القاعدة، وعندها أطبقت هذه الوحدات على العناصر المطلوبة جنوب غرب العاصمة وتمكنت من إحباط مُخططهم القاضي بتفجير رئاسة الجمهورية ووزارة الدفاع والسفارة الفرنسية بانواكشوط، كان من ضمن المقبوض عليهم غيني (لايزال معتقلاً) والسالك ولد الشيخ، فيما استطاع شريكهم ولد أمبالة الفرار قبل أن تتعقبه قوى الأمن وتستعيده بالتعاون مع المخابرات السنغالية التي تتبعته حتى الحدود المالية ثم اوقفته وسلمته لموريتانيا، وكانت هذه هي المحاولة الأولى للهروب.
يتيح قانون الارهاب الذي كانت موريتانيا قد صادقت عليه توا إمكانية إطالة الحراسة النظرية خلال التحقيق مع المتهمين، وهكذا تواصل التحقيق مع العناصر الثلاثة داخل فرقة شرطة مكافحة الإرهاب ولم يمض وقت طويل حتى قاد السالك ولد الشيخ محاولته الأولى للفرار مستغلاً انشغال عناصر الأمن بتحضير الإفطار الرمضاني ومتابعة مسلسل وادي الذئاب، وهكذا تم إفشال هذه المحاولة قبل قفز المجموعة من حائط التجمع المحاذي لحائط المطار القديم.
ونظرا للتقييم الأمني الذي يصنف هذه المجموعة بكونها الأكثر خطورة داخل السجن المركزي تم إيداع أفرادها داخل عنبر خاص بحيث يمنع تواصلهم مع غيرهم من سجناء السلفية، ولكن لم يمض وقت طويل حتى دشن السالك محاولة ثانية للفكاك من السجن وهي المحاولة التي تم إفشالها مرة ثانية.
لقد كان السالك ولد الشيخ عنصرا مقربا من ابو يحي الهمام وهو الذي أشرف على تصوير وتوثيق عملية "حاسي سيدي" شمال مدينة تمبكتو المالية ضد الجيش الموريتاني ولكنه عندما علم بمقتل قائده في التنظيم سنة 2020 بدأ يدرك صعوبة طرح التنظيم لمسألة مقايضته مع موريتانيا لذلك استأنف محاولات الهروب منفردا، حيث خاض تجربة الفرار الثالثة من السجن مستعينا بشقيقته التي زودته بملابس نسائية وكذلك أحد عناصر التنظيم الذي وفر له سيارة عند بوابة السجن، في هذه المرة استطاع ولد الشيخ اجتياز الحدود وعبور كامل جمهورية السنغال قبل أن يبلغ عنه أحد افراد الجالية الموريتانية للأمن الغيني عندها أعيد إلى موريتانيا على متن طائرة عسكرية خاصة يوم 15 ابريل 2016.
لا يمكن وصف العملية الأخيرة حتى الآن بالفاشلة فلم يقبض على السالك ولد الشيخ ورفاقه حتى كتابة هذه السطور، لكنه في كل الأحوال سيشكل صداعا أمنيا كبيرا بموريتانيا ولمنطقة الساحل في حالة تمكنه من الوصول إلى وجهته النهائية.
أخيرا، هنالك قراءات تحاول الربط بين هذه العملية وفحوى تصريحات رئيس الجهورية لإذاعة bbc والتي أشار ضمنها إلى نجاح الاستراتيجية الموريتانية في مواجهة الجماعات الجهادية مع الإشادة بالدور الفرنسي في منطقة الساحل، لكنني أستبعد هذه المقاربة فما حدث لا يمكن إخراجه من نطاقه الخاص والذي يوحي بأن خلية من الذئاب المفترسة المتعطشة للوصول إلى سهول الساحل لممارسة الإرهاب والبطش وقطعِ الطريق على الآمنين والسكان المحليين تحاول القيام بذلك.