الضيوف الثقلاء 

محفوظ ابراهيم فال

الثقل منه حسي ومنه معنوي ومنه ماجمعهما وهو من أعظم مايؤذي الإنسان وأصحابه مكروهون منفور منهم يؤذون الأبدان والأرواح ويعذبون العقول والقلوب بما يجلب قربهم من ضيق للصدر ووحشة للقلب وخبث للنفس وقد ألف عنهم العلماء وأشفق منهم الظرفاء وهرب منهم أهل السكينة والأنس والصفاء 

 

قال زياد بن عبد الله: قيل للشافعي: هل يمرض الروح قال: نعم من ظل الثقلاء قال: فمررت به يوماً وهو بين ثقيلين فقلت: كيف الروح؟ فقال في النزع

 وقال بعضهم اعلم أن الثقلاء أشد ضررا على العقلاء وأثقل من الجبال الرواسي على قلوب النبلاء

 

  ولكل زمان ثقلاؤه يتفاوتون في العبقرية ويتانسلون في الثقل وقد تفتقت عبقرية بعض ثقلاء ساسة هذا البلد فصنعت ثقلاء المهجرين المرحلين

 

 فبينما أهل المدينة آمنون مالكون أمرهم يتنافسون تنافسا شريفا ويتدافعون تدافعا نظيفا يقدمون من يختارون لتمثيلهم إذ وفدت عليهم عشية الاقتراع وفود غريبة من الضيوف الثقلاء كثير عددها مدللة ممن أوفدها تزاحم أهل المكاتب بكثرة الصفوف وطول الانتظار وتضاعف المشقة

 

 ثم يفرضون على الناس من لا يريدون ويبتلونهم بمن لا يحبون وقد يكون ثقيلا مثلهم ( والشيء من معدنه لا يستغرب ) ( والطيور على أشكالها تقع )

وهم على أمل العودة في الموسم القادم ليجددوا أو يبدلوا لا يتوبون ولا يؤوبون 

 

عدمت ثقيل الناس في كل مجلس

 فيا ربّ لا تغفر لكلِّ ثقيلِ!

 

إذا ما ثقيل زارنا في رحالنا  

 فأف به من زائرٍ ومقيلِ!

 

وعائد هو سقم.......لكل جسم صحيح

لا بالإشارة يدري.....ولا الكلام الصريح

وليس يخرج حتى.....تكاد تخرج روحي

 

تبا له من ثقيل......دما وروحا وطينة

لو كان من قوم نوح.....لما ركبت السفينة!

 

يمن على جلاّسه بجلوسه

وأمتع منه أن تجالسك البقر

 

فيا ليته يوما أحس بأنه

ثقيل على الروح الخفيفة فانتحر

فيا رب لا تدخل جنانك مثله

فيهرب منها الصالحون إلى سقر

 

إن هذا لجرم العظيم ممن اقترفه وسن سنته ومن المقتفين له بالإساءة اغتصب من الناس تمثيلهم وأفسد عليهم سياستهم وغدوا غرباء في عقر دارهم يصول عليهم من يقرر شأنهم فيولي ويعزل ويقرب ويبعد ولا يملكون معه إلا أن يمتلئوا غيظا وحنقا لا يعلم وخيم عاقبته إلا الله

 

 فيجب على العلماء بيان حرمة هذا الأمر وأن هؤلاء الثقلاء صائلون غاصبون معتدون فقد كان الأنبياء عليهم السلام يبعثون بالنهي عن فساد زمانهم ومكانهم فحارب موسى الاستبداد وحارف لوط الفاحشة وحارب شعيب بخس الميزان والمكيال وحارب صالح الترف وهي منكرات واقعهم فليهتم المصلحون بما يهدد مجتمعاتهم من المناكر وليتركوا مناكر الزمن الغابر وقد اعتبر سلطان العلماء العز بن عبد السلام من خيانة العلماء أن ينهى العالم الناس عن الحرام الذي لا يفعلون ويترك النهي عن الحرام الذي يأتون   

 

وعلى أهل التقتين تجريم فعلتهم وسن عقوبة تردعهم ومن أتى بهم 

 

وعلى أهل الكلمة محاربة هذه الظاهرة المقيتة وعلى المجتمع الوقوف في وجهها ونبذها ومحاربتها فهي خراب البلاد وهلاك للعباد تفسد السياسة والاقتصاد والأخلاق والأخوة وقد تؤدي يوما إلى الاقتتال لا قدر الله 

 

تداركنا الله برحمة منه وفضل لا يملكها إلا هو

سبت, 20/05/2023 - 15:56