زوم الصحراء (38).. السنغال.. ما بعد إدانة سونكو.؟!

ستة عشر قتيلا وخمسمائة معتقل وعدد غير معروف حتى الآن من الجرحى؛ مستشفيات تعلن الحاجة للتبرع بالدم وشوارع شاهدة على عنف المواجهات بين المتظاهرين وقوات حفظ النظام.

 

تلك عناوين حصيلة الأحداث التي يشهدها السنغال منذ صدور حكم مدين لزعيم المعارضة وعمدة زگنشور عثمان سونكو بتهمة إفساد الشباب.

 

في زوم الصحراء هذا الأسبوع ندقق في تفاصيل المشهد وتداعياته المحتملة على بلد ظل يقدم في السياق الإفريقي عموما وفي سياق الغرب الإفريقي بشكل خاص باعتباره الاستثناء من حيث تماسكه الاجتماعي وسلامته من ظاهرة الانقلابات وتجذر التناوب السلمي على السلطة فيه؛ هل يحافظ السنغال على استثنائيته، أم أن عوامل متراكمة وأخرى مستجدة (بعضها محلي وبعضها إقليمي وخارجي) قد توقعه هذه المرة في شراك قاعدة عدم الاستقرار التي تكاد تبسط هيمنتها على منطقة الساحل وجنوب الصحراء.

 

سياق الإدانة..؟

تتفاعل قضية زعيم المعارضة عثمان سونكو في دهاليز الإعلام والقضاء منذ ما يناهز السنتين حين اتهمته عاملة التدليك صار بالاعتداء الجنسي عليها، وهي التهم التي اعتبرها المعارض السنغالي الشاب والقوى الشبابية الداعمة له مجرد حلقة كيدية من حلقات تصفية نظام ماكي صال لمعارضيه مذكرين بمحطات سابقة مع معارضين ومنافسين آخرين.

 

✔️ نجل الرئيس السابق كريم واد الذي أدين فساد أبعدته عن المنافسة وحكمت عليه بالإقامة منفيا بعيدا هناك في الدوحة.
✔️ وعمدة دكار السابق خليفة صال الذي أدين هو الآخر في قضايا سوء تسيير أخرجته من بلدية العاصمة ومن التنافس على الرئاسة في آن.

 

الحلقة الأصعب 

بيد أن تصفية سونكو بدت أكثر صعوبة من تصفية سابقيه وذلك لاعتبارات أهمها:
✔️ أنه لم يتقلد في الوقت الذي فتحت له الملفات القضائية أي مسؤوليات تسييرية ما جعل مجال اتهامه يتجه للنواحي الأخلاقية وهو مجال يغلب على الرأي العام السنغالي تقبل ادخاله في مجال التداول العام.

✔️ أنه يمثل في عيون الأجيال الشبابية في السنغال أنموذج التصدي لما يعتبرونه أكبر خطرين يواجهان البلد. 
☑️ الفساد الداخلي؛ وقد اشتهر سونكو بكشف ملفاته  خلال وجوده في البرلمان.
☑️ الهيمنة الخارجية وخصوصا الفرنسية منها؛ وهي نبرة تتناغم مع موجة صاعدة من التذمر من الوجود الفرنسي في المنطقة التي ينظر إليها فرنسيا باعتبارها فناء خارجيا لباريز وعمقا ثقافيا وسندا اقتصاديا حتى.
التهم المتحورة.
صعوبة حلقة تصفية سونكو كما يقول أنصاره،أو تهور سلوكه السياسي كما يقول خصومه جعلته في مواجهة مع القضاء والدولة العميقة في السنغال على عدة جبهات:
✔️ فهو متهم في قضية اغتصاب عاملة التدليك.
✔️ ومتهم بقذف وزير في الحكومة 
✔️ وينظر إلى بعض تصريحاته بعين الريبة في عدد من الأوساط الدينية باعتباره خارجا أيضا على بيت طاعة يدين له السنغاليون بالولاء شبه المطلق.

إفساد الشباب
وخارج كل التهم التي كان ينتظر الحكم بسببها جاء حكم المحكمة الأخير بتبرئة من قضية الاغتصاب وإدانة بتهمة جديدة هي افساد الشباب ، وهنا يعتقد مراقبون أن الحكم وفر دليلا إضافيا لأنصار المعارض المتمرد للتدليل على الطبيعة السياسية للمواجهة التي تخاض في أروقة المحاكم، بيد أن حكومة ماكي صال وأنصاره يعتبرون: 
✔️ الحكم دليلا على إستقلالية القضاء وحكمه في النهاية بالوقائع التي بين يديه وليس بما طلبت النيابة أوتمنى خصوم الرجل ربما.
✔️ وأزمة سونكو أنه لم يعرف كيف يتصرف باعتباره رجل دولة وليس قائد مجاميع شبابية متمردة.

 

أي أفق؟
وأيا يكن فقد صدر الحكم وأدين سونكو، وبالتالي باتت أهليته للمشاركة في انتخابات  فبراير 2024 محل سؤال كبير؟!

لكن اللافت أن الرجل الذي صدر الحكم بإدانته لم يحل إلى السجن بعد، وإن كان محاموه يقول إن منزله المحاط بقوى الأمن من كل جانب تحول بالفعل إلى سجن حقيقي ؛ بيد أن الراجح- في تقديرنا- أن تأجيل الإحالة للسجن قرار سياسي يريد من خلاله الرئيس ماكي صال إتاحة فرصة أخيرة لحل توافقي ربما يأتي من إحدى جهتين أو من جهد مرتب بطريقة ما بينهما:

☑️ الطرق والمشيخات الصوفية ذات النفوذ الاستثنائي في السنغال، وهي نفس الجهة التي سبق لها أن وجدت حلا في اللحظة الأخيرة لأزمة اللوائح الانتخابية التي أوشكت أن تفجر الانتخابات التشريعية الخريف الماضي.
ومع نفوذ الطرق الصوفية المشهود في السنغال لكن علاقتها بسونكو ليست على ما يرام فالرجل ليس " مريدا" في عمقه بل هو معروف في مراحله الدراسية الجامعية بميول للإسلام السياسي!
☑️ الأوساط الدبلوماسية في دكار والمنظمات  الاقليمية ، ويأخذ هذا الدور وجاهته وقيمته من محورية السنغال في المنطقة، لكن الصعوبات التي تواجهه تكمن أيضا في راديكالية خطاب سونكو تجاه التدخل الخارجي وما يسميه الإمبريالية الغربية وهشاشة السنغال أمام كل التدخلات.

 

ختاما، يمكن القول - استشرافا - إن البلد الذى نجى من مطبات شبيهة في نهاية حكم رئيسيه السابقين  عبد الله واد وعبدو جوف يواجه الآن مطبا أخطر وأكثر صعوبة وتعقيدا ما يجعل نجاته هذه المرة أصعب فأطراف الأزمة الداخلية أقل مرونة، والوضع الإقليمي والدولي أقل قدرة وأضعف رغبة ربما في توفير سبل النجاة.!

اثنين, 05/06/2023 - 13:01