فى سنوات "المعرفة للجميع" منح القدر آنذاك معجزة للمراهقين الخجولين من أمثالي؛ اولئك الذين لايريدون غير فضاء مكتبة مجهزة بأوامر رئاسية؛ وبالفعل كانت مكتبة مركز معاوية( مركز جهة نواكشوط الثقافي) جنة للقراء الصغار الذين يسرقون اي كتاب نفيس يصادفهم دون ان ينتبه أمين المكتبة الغارق فى حل مشاكل " الحش" عبر مكالمات استعطافية لاتنتهي أبدا مع الأهل هنالك قرب " الشلخه الخظره".
===
من حسن الطالع؛أن نواكشوط استضافت قبل عام من هذا التاريخ أول وآخر معرض دولي للكتاب؛ وحين استعد الناشرون للمغادرة؛ سمعوا أسعد خبر يمكن ان يُلقى على أذن تاجر.
لقد قرر الرئيس ان تشتري الحكومة كل إصداراتكم التى لم يتم بيعها، وستوزع على مكتبات دار الكتاب تشجيعا لصرعة "المعرفة للجميع" التى لم يسلم منها حتى اتحادالمنمين !!.
وهذا يعني بشكل تبسيطي أن مفرزة من عشاق القراءة ستسطوا كل يوم على عدد أفرادها من الكتب الجميلة والمطبوعة بشكل لافت؛ وهذا هو ما حدث بالضبط.
===
ففى يونيو من العام 2005 استطعت بمعية عشرة فرسان من تجهيز مكتبة شاملة فى الشطر الشمالي من الحي الإداري فى مقاطعة توجنين، كانت مكتبة مرتبة وأنيقة؛ ولايطالك الشك وأنت تتفحص عناوينها أنها مسروقة بالكامل من مكتبة عامة فى وسط المدينة. لكن هذه هي الحقيقة للأسف!.
====
دب الخلاف بين المجموعة حين طرأت عفة مفاجئة على روح صديق للشلة،كان سريع الانقضاض فى مامضى على عناوين السير الذاتية؛ ومولع بتشرشل وعبد الناصر والخميني ولال نهرو.
وصارحنا بنبرة حادة بحرمة كل كلمة مسروقة قرأناها،وأنه ينوي الإعتراف لأمين المكتبة بكل مااقترفته أيادينا الصغيرة من جرم مشهود .
===
دخلت مع الرفيق فى محادثة عميقة أسستها على فكرة مشاعية المعرفة؛ وأنها توجه رسمي؛ وأن الرئيس ووزير الثقافة وأمناء مكتبات دور الكتاب لايريدون من وراء هذا المشروع غير الذي حدث؛ وهو أن يقوم فتية فى عمر " تورجه توجنين" بالمطالعة!!!.
خفت ضربات مخالب الضمير على صديقي قليلا؛ وباغتني بسؤال وجودي :
وهل سندخل الجنة اذا متنا ونحن على هذا الحال؟
===
التفت الى يميني قليلا ؛ وهي حركة فهمها مراهق متحمس- حديث عهد بالقراءة ومتوثب لاكتمال عضويته فى النادي - يحل المشاكل عادة بمقدمة رأسه؛ طلب مني الشاب القافز ان اتراجع قليلا .
ونزل على الشاب الطيب برأسه على غضروف أنفه؛ وقضينا بقية اليوم ونحن نمسح بقع الدم المتناثرة عن واجهة كتاب الملل والنحل وطرف كتاب الحرب والسلم التى تضررت كلمة عنوانها الثانية كثيرا.
===
لم يعد صديقي الطيب لنقاش المآلات والمآزق الفردية بعد تلك الحادثة؛ لدرجة أنه انخرط بعد ذلك بقليل فى جمعية الكشافة التى قادته لماهو عليه الآن ... قيادي كبير فى جمعيات المجتمع المدني.و صاحب منصة مهتمة بالهيدروجين الأخضر وسلامة المحيط.