جائحةُ الشعبوية

محمد ولد الشيخ عبدي

لا يُوجَد شيءٌ يفسد السياسةَ كما تفسدها الشعبوية. إنها تقتلها قتلا، وتفسدها حدّ درجة الابتذال.

السياسة مهنة عظيمة ونبيلة، مهنةُ الأنبياء والعظماء والمصلحين. كل نماذج الإلهام في مسيرة التاريخ الإنساني نماذج سياسية، إذ هي - أي السياسة - بهذا المعنى تعني اجتراح الأفكار وتقديم البدائل في سبيل تحقيق ما ينفع الناس ويمكث في الأرض .

لكن السياسة  كمفهوم تعرّض لكثير من الغبش، والسياسة كممارسة  تعرضت - أيضا لكثير -  من البسترة والاختزال، فصارت السياسة تعني المكرَ والخداعَ والكذب وتَبْيِيتِ ما لا يُرضى من القول والفعل، وصار السياسي هو ذلك الثرثار الذي يهتم بخطف الأضواء والشوشرة أكثر من أي شيء آخر. ولعل هذا الخلل في الفهم والسلوك راجعٌ  إلى ممارسة غير الأكفاء من الشعبويين والفضوليين  الذي لا تعني لهم السياسة شيئا غير الصّراخ وبكاء اللطيمة !

من عيوب الديمقراطية أن الشعبوية عَرضٌ ملازم لها، على ذلك الأساس نعى فلاسفة اليونان  قديما ديمقراطية أثينا، لأنها أعطت حق التعبير والرأي والمشاركة للجميع على حساب الكفاءة والأهلية.

في الإسلام، لا تبالي الشورى - وهي النظام السياسي للمسلمين -  بأصوات الغوغاء في المجال السياسي، ولا تحسب لهم حسابا، إنما تبحث عن المصلحة والصواب والحكمة عند أهل الذكر والمعرفة والدّراية.

ليس كل من أمسك بوقا وتكلّم كثيرا يمكن وصفه برجل السياسة، وليس كل من تقلد منصبا انتخابيا يمكن وصفه كذلك برجل السياسية.

رجل السياسة شيءٌ آخر، إنه لا يُنافس برفع الصوت ولا بخفضه، وإنما بالأهلية السياسية واستشعار المسؤولية الأخلاقية.
رجُل السياسة هو رجل الدّولة،  هو ذلك الحكيم الذي تتصف أقواله بالحكمة وأفعاله بالحكمة . 

الهدوء  - أيها الناس - عملة نادرة في عالم السياسة.

تُحارِب الشعبوية المنطق، لذلك لا يجد الشّعبَويّ حرجا في التناقض حين تحاصره علامات الاستفهام، فالشعبويّ  ليس جادّا بالمرّة  حين في تعاطيه مع القضايا التي يثير ويطرح،  ذلك أن المبدأ الأول والأخير الذي تدور حوله رحى الشعبوي هو لفت  الانتباه لِ"ذاته" المحترمة، وفي سبيل ذلك يقوم بكل شيء.. يبكي بكاء الأطفال ويصرخ كالنّسوان!

يريد الشعبويّون - وهذا زمانهم - أن يكونوا شيئا مذكورا، لكنهم لن يكونوا شيئا، ولن يُذكروا إلا بمثل ما ذُكر به ذلك الأعرابي الذي بال في بئز ماء زمزم، حتى ولو صرخوا في أبواق الدنيا كلها!

في التناول الشّعبوي؛ يزداد الأمر خطورةً حين يتعلق الأمر بالمقدسات الدينية، والتي لا تقبل التجاذب السياسي في مجتمع - كمجتمعنا -  رضع احترام المقدسات من أثداء الأمهات.

كيف لا يغضب امرؤ مسلم زُويِد عليه في أمر دينه؟ ما رَدَّةُ فعلك لو قال لك أحدهم: ما موقفك من الإساءة للنبي صلى الله عليه وسلم؟! 

الأكيد أنك ستتفاجأ من هذا السؤال، لأنه سؤال غريب! 

هذا عن السؤال، فما بالكم  بمن يأخذ عبارات الإساءة، التي آذت وتؤذي كل مسلم ، ثم يقرؤها أمام مئات وألوف من الناس، قصدَ التزيُّد والمماحكة السياسوية الرّخيصة؟!

نُحسن الظّنّ بالنائب محمد بوي، كما نحسن الظنّ بكل مسلم، سواء كان وزيرا أو نائبا، نائبا مصوتا مع رفع الحصانة أو ضدها. وكما نحسن الظن بالنائب فإننا - أيضا - نقدّر سذاجته وخِفّته، لكنّ حُسن الظن وتقديرَ السذاجة، لا يمنع من إنفاذ القانون في من يتجاوز القانون، فالموضوع خطير وعظيم، نسأل الله السلامة والعافية.

ختاما؛ من المؤلم والمؤسف أن يتم التعامل مع مواضيع خطيرة كهذه بالجدل السياسي، ذلك أنّ المقدس أعظم وأكبر، وفي نقاش ميزانيات مؤسسات الدولة، وانقطاع  الكهرباء، وارتفاع الأسعار، متّسع للقول والكثير من اللغط،  لعُشّاق اللّغط.

نعم، وألف نعم لإنزال أقصى العقوبات بالمسيئة لنفسها، ونعم لتأديب من يتخذ من الإساءة مطية لتسجيل نقاط سياسية على حساب عقائد الناس ومقدساتهم.

اثنين, 31/07/2023 - 19:07