ترددت في الكتابة عن تقويم أربع سنوات من حكم غزواني. وسبب ترددي أن ما فيها من إيجابيات وجد من تحدث وكتب عنه، وما فيها من قصور وتقصير لم يغب أيضا عن الكتابة والتدوين.
لكن ندرت الكتابة المركبة التي تجمع بموضوعية بين تسجيل الإنجازات والتنبيه إلى النواقص، كما غاب أيضا تقويم تعاطي النخب السياسية والتكنوقراط مع هذا النظام، وهو ما سأحاول الكتابة عنه.
تحييد السياسيين بالاتصال المباشر
لا يوجد من خدم غزواني خلال فترة حكمه أكثر مما خدمه السياسيون، معارضة قبل الموالاة. فجميع معارضيه، دون استثناء، تعاطوا معه بإيجابية لم يتعاطوا بها مع نظام قبله، بل إن بعضهم أشاد وبرر ودافع أكثر من الموالين أنفسهم، وبعضهم أعلن أنه وجد الصديق الذي كان يبحث عنه، وأكثرهم راديكالية تفهم وسكت ولم ينتقد..
هذا الهدوء السياسي غير المسبوق في تاريخ علاقة المعارضة بالأنظمة هو أهم ما ميز حكم غزواني. وإن كان له من تفسير فهو استماعه لهم وفتح باب مكتبه وهاتفه أمام أغلب قادة المعارضة، وحتى في لحظات الحظر والتباعد أثناء أزمة كورونا كانت بيانات وأحاديث قادة المعارضة تتوالى متحدثة عن اتصالات أجراها الرئيس معهم، معزيا لهذا القائد وعائدا لذاك وحتى مشاورا لبعضهم حول التعاطي مع بعض المستجدات.
لقد نجح ولد الغزواني باتصاله المباشر والعلني مع المعارضة في تحييدها والتقليل من حضورها في المشهد السياسي، فالرسائل التي كانت تحتاج مواقف صاخبة لتوصلها لرأس النظام عبر عدة أجهزة اصبحت توصلها عبر رسالة واتساب أو لقاء شخصي مباشر، وبعض مقترحاتها تنفذ بالشكل الذي أرادت. ولأن الصراع يتطلب وجود توتر وتجاذب بين طرفين وجدت المعارضة نفسها أمام وضع سياسي تبدو فيه حلبة النضال مغلقة أو على الأقل فارغة من مظاهر التحدي (ماهون حد مدايگ).
بهذا الهدوء حقق غزواني ما عجز عنه من سبقوه، فكسب الانتخابات دون ضجيج ولا احتجاج متواصل وأربك تعاطيه القوى المعارضة التي عجزت عن ابتكار طريقة تجمع بين قوة الخطاب المعارض وأجواء تهدئة سياسية لم تألفها.
أصبحت المعارضة، كما لم تكن قط، جزء من النظام العام تؤدي أدوارا وظيفية متناقضة، فهي تسعى للهدوء، وتقدم مقترحات للنظام يتبناها غالبا ولو بصفة جزئية أو التفافية، لكنها تظل في نفس الوقت متمسكة بخط المعارضة شعارات ومواقف سياسية.
والمفارقة أن أكبر معارضي غزواني الآن وأكثرهم حدة هم آحاد ممن صوتوا لانتخابه رئيسا للجمهورية وليس من ضمنهم من صوتوا ضده، وهذا أيضا مما قرب منه المعارضة أكثر.
ضعف في الأداء
رغم الأعذار التي لا يخلو بعضها من وجاهة (كورونا، الحرب الأوكرانية … الخ) التي يقدمها المدافعون عن حصيلة حكم غزواني لتبرير ضعف الإنجاز بل وترديه في بعض القطاعات، تبقى هناك حقيقة ماثلة لا يمكن إنكارها وهي أن أغلب المسيرين الذين اعتمد عليهم طيلة السنوات الأربع الماضية خذلوا الرجل بقصور أدائهم وسوء تصرفهم. لقد منح هؤلاء موارد واسعة وصلاحيات غير محدودة، لكن الإنجاز كان ضعيفا والنهب بدون حدود. وعندما فنهبوا دون رقيب وعندما ظهرت نتائج تقييم الأداء وتقارير التفتيش المالي بدت الفجوة واسعة بين وعود الرئيس وآمال المواطنين من جهة والإنجازات التي تحققت فعليا وسلوك المسيرين من جهة أخرى. وهو أمر كان يفترض أن تترتب عليه تغييرات جوهرية في منهج الحكم وطواقمه، لكن يبدو أن الإكراهات السياسية والبيروقراطية (اقتراب موعد الانتخابات التشريعية والمحلية وتصحر الساحة من الكفاءات التي تجمع بين النزاهة والكفاءة) كانت لها الكلمة الفصل.