الوضع الاقتصادي في باكستان مدعاة للقلق، ومحط نظر الكثير من الاقتصاديين والمراقبين، فعلى الرغم من وجود ناتج محلي إجمالي يبلغ 375 مليار دولار -أكثر من فنلندا ونيوزيلندا- فقد تسبب عدد السكان الكبير بالبلاد في أن يكون دخل الفرد فيها من أدنى المعدلات في المنطقة، وعلى الرغم من جهود الحكومة لتعزيز الاقتصاد، فإن نسبة البطالة لا تزال مرتفعة ومستويات الفقر في ازدياد.
وتفتقر باكستان في الوقت الراهن للموارد اللازمة للوفاء بالتزاماتها تجاه الدائنين تجاه البلدان الأخرى، وهو ما يعني أن البلاد قد تفشل في تسديد أقساط الديون المستحقة، وتصبح على هاوية الإفلاس وغير قادرة على تسديد فاتورة الواردات من السلع الأساسية.
المعاناة التي تعيشها الباكستان اليوم ناتج عن سنوات عديدة في سوء الإدارة وعدم الاستقرار السياسي الذي أثر على المواطنين بالدرجة الأولى ، ووسط تراجع الاقتصاد وارتفاع الأسعار ، يعرض الشباب الباكستاني حياتهم للخطر من خلال القيام بمحاولات يائسة للهجرة بشكل غير قانوني إلى أوروبا عبر مسارات خطرة ، تُعرف أيضًا باسم "طرق الحمير"
وأفادت دراسة أجراها مركز "ميكسد مايغريشن سنتر" الأوروبي للأبحاث عام 2022، أن نحو 90 في المئة من الباكستانيين الذين وصلوا إلى إيطاليا حديثاً دخلوا بصورة غير قانونية.
وقدر مسؤول في وكالة التحقيق الفيدرالية الباكستانية عدد الباكستانيين الذين يقومون بمحاولة للدخول بصورة غير قانونية إلى أوروبا بـ40 ألفاً كل سنة.
وأظهرت بيانات صادرة عن وكالة التحقيقات الاتحادية الباكستانية أنّ ما لا يقلّ عن 209 باكستانيين هم من بين ضحايا قارب حمولته زائدة، انقلب وغرق في أعالي البحار قبالة ساحل اليونان، وذكرت أنّ 181 شخصاً من باكستان و28 آخرين من كشمير التي تخضع لإدارة باكستان، كانوا على متن القارب.
بالمقابل حذرت وزارة المالية الباكستانية من التحديات الناشئة عن البيئات الاقتصادية الخارجية والمحلية غير المؤكدة ، بما في ذلك ارتفاع التضخم وسداد الديون الخارجية ، بسبب تدفقات النقد الأجنبي القليلة وسط تنفيذ الحكومة اشتراطات مؤلمة من قبل صندوق النقد الدولي مقابل إقراض الدولة التي تعاني من ضائقة مالية حادة، بينما تتراشق الحكومة والمعارضة حول أسباب الانهيار الاقتصادي الذي وصل إليه البلد الآسيوي الذي يقبع ثلث سكانه البالغ إجماليهم حوالي 231.4 مليون نسمة تحت خط الفقر.
وجرى فرض ضرائب جديدة بقيمة 170 مليار روبية (ما يعادل 630 مليون دولار)، ضمن مشروع قانون المالية التكميلي للعام المالي الحالي، الذي أفصحت عنه الحكومة في العاشر من فبراير/شباط الجاري، ما أدى إلى ارتفاع أسعار كل ما يحتاج إليه المواطن في حياته اليومية، خاصة الوقود والغاز والمواد الغذائية الأولية. كما تدهورت قيمة الروبية الباكستانية إلى مستوى قياسي، لتصل إلى 262 روبية للدولار، ما أثر في حياة المواطن كما وصل سعر لتر البنزين إلى 272 روبية (1.04 دولار)، والديزل 280 روبية.
وخلال الشهر الماضي كشف حاكم المصرف المركزي أن البلاد مدينة بمبلغ 33 مليار دولار على شكل قروض ومدفوعات أجنبية أخرى قبل نهاية السنة المالية ، تمكّنت الباكستان تمديد آجال سداد أربعة مليارات دولار، في حين لا تزال المفاوضات متواصلة بشأن 8,3 مليارات دولار.
وافقت الإمارات على إقراض باكستان مليار دولار بالإضافة إلى تأجيل قرضها السابق البالغ 2 مليار دولار خلال زيارة شريف لأبو ظبي بالمقابل تواجه باكستان نقصاً حاداً في موارد الطاقة، في أزمة فاقمها ضعف البنى التحتية وسوء الإدارة، ما زاد من معاناة الشركات والمواطنين حيث شهدت باكستان انقطاعا للتيار الكهربائي عن 220 مليون شخص تقريبًا.
كما وقعت باكستان على اتفاقية "امتياز" لعمليات تشغيل ميناء كراتشي، مدتها 50 عامًا، مع مجموعة موانئ أبوظبي في الإمارات العربية المتحدة، الخميس، في محاولة من قبل البلد المثقل بالديون لجمع الأموال التي تمس الحاجة إليها وتسديد ديونه لصندوق النقد الدولي.
الوضع الاقتصادي المزري يعكس فوضى سياسية عارمة تشهدها البلاد، إذ يمارس رئيس الوزراء السابق عمران خان ضغوطا متزايدة على الائتلاف الحاكم في إطار حملة يقودها من أجل تنظيم انتخابات مبكرة سعيا منه للاستفادة من تزايد شعبيته.