هل هو الربيع الإفريقي في إفريقيا؟

وجيدة حافي

ما يحدث في إفريقيا أرض الثروات والصراعات ليس بالجديد، فهذه القارة السمراء الغنية كانت ولازالت مُعرضة للنهب والسرقة، ومحور تنافس كبير بين مُختلف الأطراف الدولية التي همها الوحيد هو بناء أساس متين يُمكنها من التواجد وبقوة لسنوات وسنوات لحماية بُلدانها وشعوبها من الفقر والجوع، وبناء قاعدة إقتصادية متينة لجعلها في مصاف الدول الكبرى العالمية، فكل ما يهم الأطراف المتنازعة والطامعة في هذه القارة هو مصلحتها وفقط، أما الشُعوب و النتائج السلبية الناتجة عن هذا الإنتهاك  فليس لها وقع وصدى عند قادة هذه البُلدان، فبعد التشاد وبوركينافاسو ومالي،  غينيا، هاهو الدور يأتي على النيجر التي تُعتبر أهم مورد لليورانيوم وعديد الثروات الأخرى التي لا تقل أهمية عنه، ومصدر رزق لفرنسا وحُلفائها الذين يتسابقون على المركز الأول لإستغلال ونهب خيرات هذا البلد، وحادثة الإنقلاب على الرئيس النيجيري” بازوم   ” كانت القطرة التي أفاضت الكأس وقلبت الموازين فالمتعارف أن بُلدان هذه القارة كانوا ولازالوا عبيدا للإحتلال الغير مُباشر لبعض الدُول وخاصة الناطقة بالفرنسية ، ومن بينها فرنسا التي مازالت تحتفظ بقوات عسكرية في مُعظم تلك البلدان الواقعة جنوب الصحراء، فلعبة القط والفأر بين هذه البلدان وفرنسا مُستمرة منذ ستينات القرن الماضي أي منذ منح فافا الإستقلال لها، لكن ظهور مُنافسون جُدد كالصين وروسيا أغضب فرنسا وجعلها تدخل في حرب غير مُباشرة معهم بإستعمال نُفوذها وسُلطتها المتبقية على بعض الشخصيات، لعل وعسى تنجح في  البقاء وتستعيد  دورها السلبي على هذا البلد وجيرانه المحيطين به، وخاصة الجزائر الهدف المنشود لفرنسا التي لم تتوقع  أن تخسرها يوما ما.
 والسؤال المطروح وبقوة هذه الأيام هل سنشهد تدخلا عسكريا في النيجر التي شهدت إنقلابات عسكرية أولها كان في باكورة الإستقلال سنة 1974، 1996، أما الثالث والدامي في تاريخ هذا البلد فكان سنة 1999، عندما قتل جنود مُنشقون الرئيس “إبراهيم باري مناصرة” الذي سبق ودبر إنقلابا ضد سلفه، 2010 كذلك حدث فيها انقلاب  عندما هاجم مجموعة من العسكر القصر الجمهوري أطلقوا على أنفسهم المجلس الأعلى لإستعادة الديمقراطية، إذن كل المؤشرات تقول أن المساعي الدولية والدبلوماسية تعمل بجد لحل الأزمة سلميا، فوزراء المجموعة الإقتصادية لغرب إفريقيا أرسلوا إنذار للإنقلابيين مُطالبين إياهم بإعادة الرئيس “مُحمد بازوم” وفرضوا عقوبات على نيامي، أرسلوا وفدا برئاسة عبد السلام أبو بكر الرئيس السابق لنيجريا للتفاوض مع المجلس العسكري،  والوفد الذي قاده  الرئيس التشادي “محمد دمبي” ،تحركات باركتها كثير من الدول  كأمريكا ،بريطانيا ألمانيا، وفرنسا الخاسر الأكبر بإعتبار النيجر المعقل الأخير لها، فرنسا التي يُنظر إليها دائما بصورة المستعمر السابق رغم أن دول الإتحاد إيطاليا وألمانيا وغيرهم لديهم وجود عسكري ومالي قوي في البلاد.

أما الرأي العام في النيجر فقد إنقسم ما بين مُرحب ورافض لما يحدث، ولكن الأكيد أن شعب  الخمسة والعشرون مليون نسمة مُتفق على شيئ واحد وهو طرد فرنسا من أراضيها وقطع كل العلاقات معها، لأنها لم تُضف شيئا لهم كشعب وكدولة تحتوي على ثروات كبيرة، وهدفها كان واضحا طوال هذه السنوات، وفي إنتظار ما ستسفر عنه الأيام القادمة من حلول جذرية وهامة لمستقبل هذا البلد، خصوصا بعد أن جنح قادة الإيكواس للسلم وتشديدهم على حل الأزمة دبلوماسيا، الكرة الآن في ملعب القادة العسكريون النيجريون الذين أبدوا مزيدا من التصلب في مواقفهم الرافضة للمطالب الإفريقية والغربية بإعادة النظام الدستوري، ولهذا فالحل الوسط مطلوب من كل الأطراف حتى يعم السلام في النيجر والدول المجاورة لها، وفي هذه الحالة يكون إما بإستقالة الرئيس “بازوم” من السلطة لتجنيب بلاده وشعبه مزيدا من الإحتقان والدم، أو تقاسم السلطة مع العسكر وإعطاء دور سياسي للجيش كما يحدث في كل العالم ، وفي إنتظار التسوية النهائية لهذا الملف، تبقى دول الجوار يقظة ومُستعدة لأي خطأ يُهدد حدودها بطريقة مُباشرة وغير مُباشرة، وإغلاق الحُدود مع النيجر كانت أولى الخُطوات المتبعة من الجيران، خُصوصا أن أغلب جيرانها يُعانون الإنقسامات والفقر كالتشاد ومالي ، وبوركينافاسو، وليبيا  التي فيها ما يكفيها من مشاكل  لم تجد حلا لحد الساعة، أما الجزائر التي تجمعها حدود معها تقدر طولها ب ألف كيلومتر  وتعيش إستقرار على كل الأصعدة مُقارنة بدول إفريقية أُخرى، تُعاني من ضُغوطات وتُحاول جاهدة حل الأزمة دون اللجوء إلى التدخلات العسكرية والعُقوبات الإقتصادية، فالمصالح التي تربطها بدول النيجر كثيرة وعلى كل الأصعدة، فأمنيا تجمع البلدين اتفاقات تسيير جورية مشتركة لتأمين الحدودمنذ2021، بالإضافة إلى أن طريق الجزائر نحو العمق الإفريقي يمر بالجارة الجنوبية النيجر، إتفاق شركة سوناطراك الجزائرية وحكومة النيجر للتنقيب عن البترول شمالي الأخيرة، لذا فهي تعمل جاهدة عبر آليتها الدبلوماسية وعلاقتها مع القبائل لإنقاذ ما يُمكن إنقاذه وعدم السماح للغرب بالتدخل والوصول لحدودها الجنوبية وحماية لمصالحها الاقتصادية، فكثالث مصدر للغاز الطبيعي لأوروبا تخشى على مشروع نقل غاز من نيجيريا لأوروبا عبر النيجر،  لكن تجاربها في المنطقة مع إنقلابات مالي وبوركينافاسو أظهرت أن بلد المليون والنصف مليون شهيد يتعامل مع الدُول وليس الأنظمة أو الحكومات المُنبثقة، ولهذا فلن يتأثر التنسيق معها في أي من المجالات، ولا أظن أن الانقلابين سيضيعون فرصة إستغلال أبار النفط المُكتشفة حديثا من قبل “سوناطراك الجزائرية”.
   فأي كانت الضغوطات ونوعها، والطرف المساهم فيها، فما يهمنا جميعا كدول عربية وإفريقية عودة الهدوء والإستقرار للمنطقة حتى لا نضطر إلى التعايش مع قضية اللاجئين الفارين من الحرب، ونقطع الحبل على فرنسا وكل من يُريد جر إفريقيا لحبل المشنقة وإعدامها أمام الملأ، وهذا لن يكون إلا بضبط النفس والتعقل، وتحريك الدبلوماسيات لمُختلف البلدان. فنحن لا نُريد ربيعا إفريقيا آخر يهدم ما تم بناؤه على مدار سنوات عديدة، فالحرب يمكن أن تبدأ، ولكن متى تنتهي، وكم ستكلف من الأموال والنفوس؟ فهذا ما لا نعرفه ولا نستطيع التنبؤ به في بلدان الفقر والهجرة، سوء التغذية عنوان يومي لمواطنيها، فالقوة والعنف الذي تريد بعض الدول الإفريقية الغاضبة من الإنقلاب اللجوء إليه في حال فشل الحلول الدبلوماسية والحوار، ليس بالحل الأمثل، لأن هذا سيتسبب في فشل عسكري يرتد على تلك الدول بالدمار، وسيُساهم في إتساع رقعة الدمار للجميع، لذا إيجاد نموذج بديل كما فعلت الصين التي تبنت _ نظام الإشتراكية الرأسمالية_  والإتحاد السوفياتي وفكرة ” البيريستروكيا” التي كانت بداية نهاية هذا النظام كفيل بلملمة الأمور وحل قضايا عدة في القارة، وآخر الكلام دعوة لتجنب الفقر والقمع والهجرة الغير شرعية.

نقلا عن رأي اليوم 

جمعة, 18/08/2023 - 12:22