مقاطع مختارة

خلال حوار أجراه مع أحد أصدقائه، قدّم السيد أحمدو ولد المصطفى أفكاره حول الجغرافيا السياسية العالمية، والتي يجري حاليًا في أوكرانيا أحد فصولها، دون أن ننسى الانقلابيْن في النيجر والغابون اللذين تتابعا كما لو أنهما يدقان ناقوس الموت لفرنسا الإفريقية. كما شرح أيضًا ما يسميه بالعائق المنهجي للحوكمة العامة في بلدنا. نقاش يمثل نوعا من التفكير التلقائي في الأحداث الجارية وأحيانًا في الماضي القريب.

لذلك اخترنا بعض المقاطع التي تستحق الاهتمام لمشاركتها مع القراء. مع أننا نأسف لأن الصديق المعني لم يتمكن من الموافقة على نشر ردوده، ملتزما بواجب السرية نظرا لأنه لا يزال يمارس مناصب ذات مسؤولية عالية؛ وإلا لكانت وجهة نظره وتعليقاته قد كشفت بشكل كامل عن أهمية هذه المراسلات واهتمامها.
صديقي العزيز

من تعليقك على مقال السيد بشير فال (حول التعليم في موريتانيا)، يبدو ضمنا أنك أردت دعوتي إلى تفكير أكثر صرامة، أعمق في المحتوى يغوص في نظامنا التعليمي وأوجه القصور فيه وقد قدم المقال تحليلاً مميزاً، مسلطاً الضوء على الأسباب المنطقية لضعف أداء هذا القطاع. تحليل تكمن أهميته في الأرقام التي قدّمها الكاتب، ويمكن تطبيقه بشكل فعال على جميع القطاعات بالإضافة إلى مجالات الاهتمام الأخرى الأساسية للمهام السيادية للدولة. هذه المقالة هي من بين المقالات الأكثر إثارة للاهتمام التي يمكن قراءتها اليوم حول الإخفاقات الهيكلية التي قضت على كل الجهود المبذولة حتى الآن لمكافحة الفقر الذي عانت منه البلاد لسنوات عديدة.

لذلك أعدت قراءة نصك وقد أثار هذا في داخلي الرغبة في مواصلة النقاش حول المشكلة التي يطرحها، وذلك بإضافة ما يلي: لإخراج البلاد من التخلف والدخول في عصر النهوض، يجب علينا تغيير النماذج في التصميم والتنفيذ وينبغي لنا أن نفكر بشكل مختلف في نموذجنا التنموي من خلال الاعتماد، على سبيل المثال، على الصناعة الزراعية باعتبارها المحرك الرئيسي للتنمية.
والهدف الاستراتيجي من هذا الاختيار هو ضمان سيادتنا الغذائية، على الأقل في السكر والأرز والقمح والخضروات؛ مما سيجعل من الممكن خلق آلاف فرص العمل وبالتالي الحفاظ على كتلة النقد الأجنبي التي تذهب لاستيراد هذه المنتجات، وبالتالي تعزيز ميزاننا التجاري بشكل كبير، ناهيك عن فوائد أخرى لا تقل أهمية إذا قمنا بتصديرها..
لكن يبقى من المفهوم أن مثل هذا الاختيار يتطلب قوة ورؤية طموحة وإرادة سياسية قوية (سنعود إلى هذا بالتأكيد).
ولكن بما أنك ذكرت أن الجغرافيا السياسية الدولية تركز حاليًا على الصراع الأوكراني، الذي يؤثر على أفريقيا بقدر ما يؤثر على الغرب، فمن المهم التأكيد على أنها تكشف أيضًا عن بدايات التحول في وجه العالم وأن هذا السياق الجديد يشكل في حد ذاته أرض خصبة للتغيير المتوقع، خاصة فيما يتعلق بالبرنامج الطموح لمجموعة البريكس   (BRICSالتي تسعى إلى تحقيق التوازن في الاقتصاد العالمي وتقديم بديل لدول العالم الثالث، من خلال بنك التنمية الجديد الذي ترأسه الرئيسة البرازيلية السابقة ويقع مقره الرئيسي، النشط بالفعل، في شنغهاي.
فهو بالتالي تسلسل تاريخي جديد آخذ في الظهور، ومن المهم أخذه بعين الاعتبار الآن، واستباقا. وهذه فرصة لقيادتنا الوطنية (كما يقول صديقك ف ب) لتفكر في الأمر وتأخذ مبادرات معقولة تستهدف قادة المنطقة، بهدف تنسيق المسارات والوسائل معهم. مبادراتٍ قادرة على تسريع أو تعزيز عملية التغيير هذه وتسوية التوازنات التي لا يمكن إلا أن تكون مفيدة للجميع، ولا سيما للبلدان الأفريقية.

وحتى أوروبا قد تكسب ما هو أكثر من مجرد حماية هذا التحالف المحارب (حلف شمال الأطلسي) والذي يلحق أساسه السياسي ضرراً حقيقياً بالدول الأوروبية في العديد من المجالات الأساسية، مثل السيادة العسكرية والدبلوماسية في الصراعات الدولية.
ولأن هذا التحالف لا يخضع إلا للرؤية الجيواستراتيجية للإمبراطورية الأمريكية، فهو بالتالي يخضع لإرادة واشنطن الوحيدة ومصالحها الأساسية التي تنطوي بالضرورة على إضعاف أوروبا اقتصاديًا ودعمها السياسي غير المشروط على المسرح العالمي.

ويتجلى ذلك في التأثير المرتد لعقوبات الاتحاد الأوروبي ضد روسيا، بهدف "إركاع الاقتصاد الروسي"، لإجبار الرئيس بوتين على سحب قواته من الأراضي الأوكرانية؛ لقد تم اتخاذ العقوبات، كما نعلم، في موجة من الانصياع الشديد فيما يتعلق بالتوجيهات الأمريكية، دون الأخذ في الاعتبار العواقب المدمرة على الاقتصادات الأوروبية، وخاصة الاقتصاد الألماني الذي يعاني الآن بشكل رهيب، وفقا للعديد من الخبراء الأوروبيين.
ولم يكن الرئيس ميتران مخطئا عندما قال: «إن فرنسا لا تعرف ذلك ولكننا في حالة حرب مع أمريكا. إنها حرب دائمة، حرب حيوية، حرب اقتصادية. نعم، الأمريكيون قساة للغاية، شرهون، يريدون سلطة كاملة على العالم. إنها حرب مجهولة، حرب بلا موت على ما يبدو، لكنها حرب حتى الموت!".
ومن ناحية أخرى، تصرف خُلفاؤه، بدءاً بساركوزي، وكأنهم لم يكونوا على علم بهذه الحرب، فسمحوا عن طيب خاطر للهجمات الأمريكية بأن تحقق أهدافها ضد الاقتصاد الفرنسي: فقد صدقوا بحماس كبير على بيع مجموعات فرنسية كبيرة والعديد من براءات الاختراع التي أوصلت الشركات الفرنسية إلى مكانة رائدة في العالم في بعض المجالات الصناعية ذات الأهمية الاستراتيجية وذلك لصالح الشركات الأمريكية وصناديق الاستثمار. 
لقد تحدثت عن ذلك مؤخرًا مع صديقنا مختار لأشرح له أن الرئيس ماكرون، من جانبه، فعل أكثر من الآخرين من خلال تسريع عملية التراجع عن التصنيع في الاقتصاد الفرنسي، مما أدى إلى تحوله إلى الطابع المالي أكثر وبالتالي جعلت نفسها أقل إنتاجية. ومن هنا تراجع تصنيف فرنسا في مصاف القوى الاقتصادية العالمية، إذ كانت في المركز الرابع في عهد ميتران، وهي الآن تحتل المركز السابع، خلف المملكة المتحدة (السادسة) والهند (الخامسة)، بحسب آخر تصنيف لصندوق النقد الدولي. كما أنّ خطر خسارة أسواق ساحتها الأفريقية يتزايد يوما بعد يوم...
سأعود إليك غدًا إنشاء الله لأعطيك أفكاري حول هذا الوضع الجديد.

سبت, 26/08/2023 - 13:51