قال وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف إن السكوت في وجه الفاجعة التي يواجهها الفلسطينيون لا يطاق، مضيفا أن "هذا الشلل وكل المراجع والمعالم والضوابط القانونية الإنسانية تخرق وتداس لا يقبل".
وأضاف عطاف، في في اختتام الدورة العشرين لاجتماع وزراء خارجية إفريقيا- دول شمال أوروبا، أن "غض الطرف عن الإبادة كاملة الأركان التي تدور رحاها في غزة لا يمكن البتة أن يخدم أمن المنطقة وإنهاء الاحتلال فيها وإحقاق الحقوق لصالح أصحابها الشرعيين".
وفي ما يلي كلمة وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج، أحمد عطاف:
"أصحاب المعالي والسعادة،
السيدات والسادة،
الحضور الكرام،
1- ونحن نختتم أشغال اجتماعنا، أود أن أشكركم جميعاً على حضوركم المتميز، وعلى مشاركتكم البناءة، وعلى مساهماتكم القيمة في إنجاح أشغال هذه المحطة الهامة من مسيرة التعاون والشراكة بين الدول الافريقية ودول شمال أوروبا.
2- لقد أبانت نقاشاتنا الثرية بين الأمس واليوم، عن حسٍ عالٍ من المسؤولية، وعن اهتمام كبير بالمواضيع المطروحة، وعن تمسك أكبر بهذه الآلية الهامة التي تجمع دولنا، وتوحد مساعينا، وترسخ التزامنا بالمبادئ والأهداف التي كرستها منظمة الأمم المتحدة.
3- أُدرك تمام الإدراك، أنه ليس من السهل بمكان تقديمُ ملخص وافٍ وكافٍ عن النتائج التي تمخضت عنها مداولاتنا ومشاوراتنا، غير أنني أعتقد أن خمس خلاصات أساسية تفرض نفسها ونحن نسدل الستار على هذه الدورة:
الخلاصة الأولى: أَنَّ أشغالنا زادت علة وجود هذه الآلية صلابة وجدارة واستحقاقا، وأكدت تمسك الجميع بها، وهي التي نجحت إلى حد كبير في تأطير حوارنا، وفي توطيد علاقاتنا، وفي تنسيق مساعينا المشتركة خلال العقدين الماضيين. وبقدر ما هو ضروري الحفاظُ على المرونة التي شكلت ميزةً هامة لهذه الآلية، فقد تكونت لدينا قناعة بأهمية اعتماد ترتيبات اجرائية تصون الذاكرة المؤسسية لجهودنا المشتركة، وتساهم في استدامة وفي تعزيز هذا الإطار التشاوري والتنسيقي.
الخلاصة الثانية: أن أشغالنا سلّطت الضوء على التحديات غير المسبوقة التي تشهدها الأوضاع العالمية والإقليمية، في ظل منظومة أممية شبه مشلولة، وعلاقات دولية يسودها الاضطراب والاستقطاب، وواقع قاري مُثقلٍ بالأزمات المتراكمة، والصراعات المتفاقمة، والتهديدات الإرهابية التي تعاني منها الدول والشعوب الإفريقية، لا سيما في منطقة الساحل الصحراوي. وقد خلصت مشاوراتنا إلى ضرورة العمل من أجل تحويل هذه التحديات إلى فرص للتعاون والشراكة، وتوظيف الطاقة الشبابية الهائلة في إفريقيا، بما يخدم أهدافنا وتطلعاتنا المشتركة في مجالات السلم والأمن والتنمية المستدامة.
الخلاصة الثالثة: أن أشغالنا أكدت تمسكنا جميعاً بالعمل الدولي متعدد الأطراف، وبالنظام الدولي القائم على قواعد واضحة ومنصفة تحتكم إليها جميع الأمم على قدم المساواة، كدولٍ ذات صوت مسموع، وأمن مضمون، وسيادة مصانة، ومصالح محترمة. ولا شك أن عالمنا اليوم، أحوجُ ما يكون لإعلاء هذه القيم، ونحن نشهد عودة مظاهر الاحتكام لمنطق "توازن القوى"، ومنطق "الأقلية الساحقة على حساب الأغلبية المسحوقة"، ومنطق "الكيل بمكيالين" في التعامل حتى مع أبشع الجرائم التي ترتكب بحق شعب بأكمله، على شاكلة المجزرة التي لحقت بأهلنا في غزة الأمس وسط صمت دولي رهيب. وكأن لسان حال المجتمع الدولي يقول: سكوت، هناك شعبٌ يقتل! سكوت، هناك شعبٌ يدمر! سكوت، هناك شعبٌ يهجر! سكوت، هناك شعبٌ تتم إبادته!
هذا السكوت في وجه الفاجعة لا يطاق.
وهذا الشلل وكل المراجع والمعالم والضوابط القانونية الإنسانية تخرق وتداس لا يقبل.
وغض الطرف عن الإبادة كاملة الأركان التي تدور رحاها في غزة لا يمكن البتة أن يخدم أمن المنطقة وإنهاء الاحتلال فيها وإحقاق الحقوق لصالح أصحابها الشرعيين.
الخلاصة الرابعة: أن أشغالنا أكدت أن التعاون الافريقي-شمال أوروبي يجب أن يواصل نموه ليشكل نموذجاً يحتذى به ضمن الإطار الأوسع للشراكة بين الشمال والجنوب، وذلك بدعمه لمبدأ الملكية الافريقية، ومرافقته لتجسيد الأهداف والأولويات القارية، لا سيما:
- في سياق الجهود المبذولة لإنجاز وتفعيل المشاريع الرائدة للأجندة الطموحة 2063، وبالخصوص منطقة التجارة الحرة القارية التي تعد بذاتها أداةً متكاملة الأركان لتنمية إفريقيا،
- أو في سياق المساعي الرامية لضمان تكفلٍ افريقي بالمشاكل الافريقية، عبر بلورة آليات تستجيب أكثر لمتطلبات الراهن القاري في مجالات حفظ السلم والأمن.
الخلاصة الخامسة: أن أشغالنا أكدت على أن التعاون والتنسيق بين دولنا يجب أن يتجاوز عامل الظرفية، وأن لا يقتصر على الاجتماع الذي نلتئم فيه بصفة سنوية. بل بالعكس، إن العلاقة المتميزة التي تجمع بين دولنا يجب أن يمتد أثرها البناء وتأثيرها الإيجابي إلى المحافل الدولية، وعلى رأسها المنظمة الأممية، أين يمكن أن نعمل سوياً ككتلة متجانسة لإعادة الزخم المطلوب للمبادئ والأهداف المكرسة في ميثاق الأمم المتحدة.
أصحاب المعالي والسعادة،
السيدات والسادة،
الحضور الكرام،
4- تلكم أهم النتائج التي أعتقد أنها تلخص ما دار بيننا من نقاشات ثرية وحوارات بناءة، أَخَذَتْ بعين الاعتبار "نصف الكأس المملوء" و"نصفه الفارغ"، مثلما أكد على ذلك زميلي وصديقي وزير خارجية مملكة الدنمارك، الذي أتمنى له التوفيق، وأعرب له عن تطلعنا للمشاركة في الدورة المقبلة التي سيحتضنها بلاده الصديق العام المقبل.
5- كما أغتنم هذه الفرصة لأؤكد لكم استعداد بلادي، التي تتأهب لشغل مقعد غير دائم بمجلس الأمن، والتزامها، تحت قيادة الرئيس عبد المجيد تبون، بمواصلة العمل بالتنسيق معكم جميعاً، للدفع بأهداف السلم والأمن دولياً وإقليمياً، ولتعزيز دعمنا الجماعي للقضايا العادلة، ولإسماع صوت الحكمة المرتكز على المبادئ والقيم التي تخدم البشرية جمعاء.
شكراً على كرم الإصغاء، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.