غزة والديمقراطيات الغربية

ميسون تليلان السليّم

لعل واقع غزة اليوم وموقف العالم منه وضع الديمقراطيات الغربية كنموذج على المحك، فمن جهة نرى تنديدا شعبيا واضحاً في العديد من دول الغرب للإنتهاك الصارخ لحقوق الإنسان يقابله تأيدٌ حكومي فاضحٌ للاستمرار في دعم العمليات الحربية وتبريرها بشتى السبل المتاحة، لدرجة أن المتابع العادي -غير المتفحص- للإعلام الغربي لمس هذا التناقض بين الموقف الشعبي والحكومي، وتبادر لذهنه أسئلة كثيرة عن حقيقة هذه الديمقراطيات ومدى خضوعها للاملاءات الرأسمالية، ومدى صلاحيتها كنموذج لتسويق الديمقراطية في العالم، وإلا كيف نفسر ظاهرة البروباغندا الصريحة التي تمارسها الكثير من وسائل الإعلام الغربي؟ والأهم كيف نفسر التناقض أو اللاتناسق بين الموقف الشعبي والحكومي الغربي؟
لا يمكن تفسير مجريات الأحداث في غزة وانعكاساتها العالمية بقوة المنطق بل بمنطق القوة، القوي هو الذي يرسم الأحداث ويقرر مدى مشروعيتها وتقيميها في سلم الخير والشر، ومن منطق القوة لا يشكل العجز خيرا، ولا تشكل الأطماع شرا، ومن هنا باعتقادي ظهر الشرخ الكبير بين المبادئ الجوهرية التي قامت عليها الديقراطيات الغربية وبين التناقض في مخرجاتها في يومنا الحالي.
إن ما سبق وتباعا له يضع المنظمات الدولية مؤسساتٍ وهيئاتٍ قيد التشكيك وإعادة النظر بنجاعة هيكلها التنظيمي، والأطر القانونية الناظمة لعملها، والآليات الضامنة لعدم انصياعها للآثار الجانبية للرأسمالية العالمية من ازدواجية في المعاير وتمرير الإنسانية بفلاتر المصلحة الإقتصادية والسياسية والعنصرية العرقية وغيرها، وهذا بالتحديد ما سمعناه مؤخرا من سياسيين مخضرمين وقادة دول مناهضين للطريقة الغربية مزدوجة المعايير في تسير الشؤون العالمية، وهذا بالتحديد ما يضع العالم بأسره تحت احتمالية نشوب حرب عالمية –لا سمح الله- يكون الخاسر الأكبر فيها الإنسان والإنسانية.
الحكم على الأحداث الدائرة الآن بغزة بمنظور لحظي بمعزل عن التاريخ السياسي والعسكري والديمغرافي للمنطقة يوصلنا إلى استنتاجات خاطئة أو -في أفضل حالاتها- منقوصة تشمل جانبا واحدا من الحقيقة وتخفي حقائق كثيرة، علينا ربط الأحداث بالعمق التاريخي السياسي والعسكري والديمغرافي للمنطقة ليظهر لنا جليا أن السلام على أساس حل الدولتين لا يرضي إسرائيل، وبالتالي تحاول فرض واقع على الأرض يتماشى مع منظورها الخاص للسلام.
قد تكون زعزة استقرار الجبهات الداخلية لدول الواجهة العربية المؤثرة في القضية الفلسطنية جزءا من الخطة الشاملة لفرض واقع مختلف على المنطقة، ولكن التاريخ أظهر أن هذه الدول تملك من الخبرات السياسية والقيادات الحكيمة والانسجام والوعي الشعبي ما مكنها سابقاً ويمكنها حاضرا من اجهاض كل هذه المحاولات.
الله نسأل أن يعيد لغزة سلامها، ويحقن دماءها، ويوفق بلادنا العربية في مساعيها لإنهاء العدوان عليها.

نقلاعن رأي اليوم

جمعة, 27/10/2023 - 14:29