مقتل خاشقجي و"مجزرة منشار تكساس".. فيلم رعب يتحول لواقع

عندما لجأت مجموعة مراهقين تعطلت سيارتهم في الطريق إلى أحد المنازل القريبة لم يكونوا يعلمون أنهم قد ولجوا للتو وكرا للأشرار يتربص بالداخلين، وأن بحثهم عن الدفء والأمان وعلى هاتف يعمل قد تحول إلى كابوس طويل ومرعب عاشوا خلاله أبشع ساعات في حياتهم وهم يقتلون ويمزقون واحدا تلو الآخر من قبل عائلة مجنونة ورجل ضخم يرتدي قناعا من جلد آدمي يحمل في يده منشارا كهربيا لتقطيع العظام.

يعتبر فيلم "مجزرة منشار تكساس" الذي أنتج أول مرة عام 1974 أحد أكثر الأفلام رعبا في تاريخ السينما الأميركية لأن مشاهده تبدو واقعية، فهو يذكرك بشيء رأيته في حصة العلوم أو في الأفلام الوثائقية، مما يضعك في الأجواء بأن الصور التي تتحرك أمامك هي أحداث حية وحقيقية. 

ورغم أن الأحداث تدور في منطقة معزولة من ولاية تكساس مما يخلق أجواء رعب منطقية فإن من يشاهد الفيلم لا يستبعد حدوثه على أرض الواقع.

فقد شغل الفيلم الجمهور الأميركي لفترة طويلة بسبب رعبه وعنفه المطلق، وواجه صعوبات في التسويق بل حتى أنه حظر عرضه في العديد من الدول، لكنه مع ذلك فقد كان مربحا فأعيد إنتاجه عام 2003. 

فهل كانت قصة مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول التي دخلها آمنا طلبا لأوراق رسمية تجسيدا واقعيا لفيلم "مجزرة منشار تكساس"؟

بداية الرعب
عندما بدأ اختفاء الصحفي السعودي يتحول إلى قصة إخبارية بعد خمس ساعات تقريبا من دخوله القنصلية ظهيرة الثاني من أكتوبر/تشرين الأول لم يكن أحد يتوقع أن فيلم رعب حقيقي قد بدأ بالفعل، مع بدء ظهور رواية تركية مسربة عن قتله وتقطيعه بمنشار داخل القنصلية.

كان عدد أبطال الفيلم الأميركي نحو خمسة أشخاص مقابل 15 سعوديا نفذوا عملية القنصلية، ضجت بالقصة المرعبة وسائل الإعلام، خاصة في الولايات المتحدة حيث كان يقيم خاشقجي ويكتب لصحيفة واشنطن بوست.

 

Play Video

وبينما كانت القصة تحدث ارتدادات عالمية تساءل كثيرون عن سبب الاهتمام الأميركي الكبير باختفاء خاشقجي الذي ربما سمع به قليلون في أميركا، فقد كان السر -حسب ما يقول فرانك ريتش في مقال بمجلة نيويورك- يكمن في كلمتين: منشار العظام، ففي ثقافة تنبثق عنها روايات الرعب في الجرائم الحقيقية فإن قصة التعذيب، وقطع الرأس، وتقطيع أوصال الكاتب الصحفي الذي كان يعيش في ضواحي فيرجينيا في واشنطن بمنشار داخل مكان يفترض أنه آمن مثل القنصلية هو الذي دفع القصة بقوة إلى واجهة الأحداث العالمية.

فقد استحوذت الرواية الكابوسية لطريقة القتل هذه على خيال الأميركيين بطريقة لم تفعلها آلاف من الفظائع السعودية وانتهاكات حقوق الإنسان في اليمن، وضحايا الحرب من الأطفال، لكن هل سيستمر الغضب والاهتمام، خاصة بعد اعتراف السعودية في رواية بدت غير مقنعة لكثيرين بأن الرجل قتل في شجار بالأيدي داخل القنصلية، إضافة إلى تستر الموظفين على ما حدث، بما في ذلك إخفاء الجثة، وعن ذلك يقول ريتش "لقد أثبت السعوديون أنهم أساتذة في الفوز (وكثيرا ما يشترون) الدعم في أروقة السلطة الحكومية والشركات والصحافة بأميركا".

 

تاريخ من التستر 
وينظر الكثير من الكتاب والمحللين الأميركيين بعين الشك للعلاقة مع السعودية، فعلى الرغم من أن 15 من أصل 19 من الخاطفين في 11 سبتمبر كانوا سعوديين -يقول ريتش- فإن دعاية إدارة جورج بوش أقنعت شريحة كبيرة من الرأي العام الأميركي بأن أغلب الخاطفين كانوا عراقيين (لم يكن منهم أي عراقي)، وأن صدام حسين كان العقل المدبر للهجوم وليس أسامة بن لادن الذي ولد في الرياض لعائلة ثرية ذات مصالح متداخلة مع العائلة المالكة السعودية، والسبب في ذلك أن لعائلة بوش تاريخا طويلا من العلاقات المالية والشخصية الوثيقة مع السعوديين.

 

Play Video

في مقال نشرته صحيفة "ذا نيويوركر" هذا الأسبوع أعرب دكستر فيلكينز -الذي أجرى بعض أكثر التقارير جدية على أرض الواقع عن ولي العهد محمد بن سلمان- عن أسفه من أن هذا "المستبد الانتقامي لم يكن موضع مساءلة، بل تم تجاوز ما يقوم به من قبل الكثيرين في الحكومة الأميركية والصحافة".

ويقول فيلكينز إن قائمة أولئك الذين روجوا بشغف لصورة محمد بن سلمان كمصلح بعد أن سمعوا بسخائه هو وعائلته لسنوات تشمل المستويات العليا في وادي السليكون، وهوليود، والمراكز البحثية، والمؤسسات الإخبارية، ووول ستريت، والسياسيين من كلا الحزبين.

ويرى الكاتب فرانك ريتش أن الولايات المتحدة لديها إلى حد كبير تاريخ من النظر في الاتجاه الآخر عندما يظهر ما يثير التساؤلات بشأن علاقتها مع المملكة العربية السعودية، من التستر على جرائم الحرب في اليمن، وملاحقة وتصفية المعارضين، وصولا إلى التواطؤ في هجمات 11 سبتمبر.  

ومع ذلك يرى بعض المحللين أن تفاصيل مقتل خاشقجي المروعة التي يعتقد أن تنفيذها جاء من أعلى مستويات الحكومة السعودية جعل هذه الحالة مختلفة، حيث خلقت موجة من الرفض والغضب على الجناة تمثلت في الضغط الإعلامي وردود الفعل المنددة مثلما فعل فيلم "مجزرة منشار تكساس".

فإذا كانت نهاية فيلم "مجزرة منشار تكساس" قد انتهت برجل قانون مخلص يقتص من القتلة ليس بسلاحه الناري وإنما بنفس سلاحهم "المنشار الكهربائي" فهل تكون نهاية فيلم خاشقجي بالطريقة ذاتها التي انتهى فيها الفيلم أم أن واقع السياسة، والمساومات -خاصة لدى إدارة ترامب- سيكون لهما القول الفصل في القضية؟

 

 

 

المصدر : مواقع التواصل الاجتماعي,الجزيرة,الصحافة الأميركية

 

 

أحد, 21/10/2018 - 15:27