كشفت الدراسات والإحصائيات المنجزة من قبل منظمات المجتمع المدني في تونس عن ارتفاع استهلاك المواد المخدرة في صفوف الشباب واليافعين والأطفال في السنوات الأخيرة.
وخلصت المؤشرات المسجلة ضمن نتائج مسح تعاطي المخدرات في صفوف الأطفال، إلى تضاعف استهلاك الطلاب التونسيين للمخدرات 5 مرات خلال العشر سنوات الأخيرة.
وكان المعهد الوطني للصحة قد نشر في عام 2023 مؤشرات كشفت أن 16.2 بالمئة من التلاميذ المستجوبين ضمة عينة مسح تعاطي المخدرات يجدون سهولة في الحصول على مادة "الزطلة" (القنب الهندي) لاستهلاكها، في حين تقدر نسبة استهلاك التلاميذ ولو مرة واحدة للأقراص المخدرة بـ8 في المئة.
محيط المدرسة فضاء غير آمن
وقالت المديرة التنفيذية لجمعية اليافع، ضحى الجورشي، في تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن تعاطي المخدرات يعد من الظواهر الاجتماعية الحارقة المرصودة في صفوف اليافعين في السنوات الأخيرة، مما يتطلب حمايتهم من المخاطر داخل الفضاءات التي يتحركون داخلها.
وتؤكد الجورشي أن محيط المدارس والفضاءات الترفيهية تحول في كثير من الحالات إلى فضاء غير آمن يعج بالمروجين والمنحرفين، مشيرة إلى أن دراسة قامت بها الجمعية وشملت الطلاب في خمس محافظات في المناطق الجنوبية والشمالية والساحلية ووسط العاصمة أثبتت أن مخاطر الانحراف إلى تعاطي المخدرات لدى الأطفال في عمر أقل من 18 سنة هي نفسها رغم التنوع الجغرافي والتفاوت التنموي لأن الفضاء الخارجي للمدرسة والطريق منها وإليها يكثر فيه المنحرفون والعاطلون عن العمل والمنقطعون عن الدراسة وعصابات المروجين.
وتعتبر رئيسة جمعية اليافع أن المحيط الاجتماعي والاقتصادي والتربوي قد يساهم في وجود مظاهر خطرة مثل التنمر والتحرش والعنف اللفظي والمادي وترويج المخدرات، مذكرة بأن المقاربة الأمنية ليست كافية لمواجهتها ويجدر بالدولة والمجتمع التفكير في حماية شاملة لليافعين.
من جهته، أكد رئيس الجمعية التونسية للوقاية من تعاطي المخدرات، عبد المجيد الزحاف، أن ثلث الأطفال في تونس بين 15 و17 سنة، الذين يتعاطون المخدرات في المدرسة الإعدادية استعملوا المخدرات ولو لمرة واحدة، وأن 16 بالمئة من الأطفال اعترفوا سنة 2022، بأنهم يشترون المواد المخدرة بسهولة تامة.
الفضاء الرقمي يسهل ترويج المخدرات
وتضيف الناشطة في المجتمع المدني، ضحى الجورشي، أن المعطى السيبراني يجب أن يكون على أولوية الاهتمامات في خطة مقاومة استهلاك المخدرات لأن بعض الصفحات على الفضاء الرقمي تساهم في بيع المخدرات واستقطاب الأطفال لشبكات الترويج بما يهدد حياتهم وسلامتهم الصحية.
وتقترح الجورشي تجاوز الحلول الأمنية والمرور إلى حلول اجتماعية لمقاومة الظاهرة تشمل إحداث خلايا إنصات للمراهقين مرفوقة بتكوين موجه، إلى جانب تكثيف نوادي النشاط المدني.
ويلفت المختصون إلى ضرورة انتباه الأولياء إلى عدد من العلامات التي تكشف تورط أبناءهم في تعاطي المواد المخدرة مثل التغيير المفاجئ في السلوك والرغبة في العزلة والاكتئاب والقلق، ويوصون بالاستماع للمراهقين والأطفال لمعرفة سبب تعاطيهم للمخدرات، وذلك قبل عرضهم على الطبيب المختص.
الإدمان.. عنف الفرد اتجاه ذاته
وتذهب أستاذة علم النفس، أميرة العروي، إلى أن الإدمان هو نوع من أنواع العنف تجاه الذات أو تجاه الآخر بمحاولة الإيقاع به في دوامة تعاطي المخدرات، ويكون أكثر ضررا إذا ما تعلق بأطفال في طور النمو النفسي والجسدي.
وتوضح العروي في تصريحاتها للموقع أن أسباب الوقوع في فخ المخدرات ترجع إلى ضعف النمو الذهني والأخلاقي لبعض الأطفال بسبب طريقة التنشئة المبنية على الضغط و المراقبة الشديدة أو التساهل، وإلى حضور العنف في المحيط الأسري خاصة بين الوالدين مما يدفع الطفل إلى التماهي مع دور الطرف الواقع عليه العنف أو العنيف وإعادة إنتاج سلوكه.
وتوصي أستاذة علم النفس بفتح قنوات الحوار مع الأطفال من طرف المربين في المؤسسة التعليمية ومن قبل العائلة لإنشاء علاقة سليمة يكون فيها اليافع شريك في الأسرة لا مجرد متقبل للسلطة الأبوية.