موريتانيا والجزائر: أسس البناء مُتواصلة رغم ضجيج الرياضة/ الشيخ يب أعليات

تابعت قبل أيام تصريح لوزير الاتصال الجزائري محمد لعقاب، في لقاء جمعه مع وزير الشباب والرياضة ومسؤولين رياضيين جزائريين، ينتقد فيه الاعلام الرياضي الجزائري، ويؤكد أنَه: "كاد أن يتسبب في مشاكل دبلوماسية بين بلاده وموريتانيا".
وبالطبع، لم يكشف لعقاب بوضوح عن نوع الأزمة الدبلوماسية التي تحدث عنها، لكن الواضح أنَه كان يُشير إلى تصريحات لمعلقين ومحليين رياضيين، جرى تداولها على نطاق واسع، قبل المباراة التي جمعت بين موريتانيا والجزائر في إطار نهائيات بطولة أمم إفريقيا المُقامة حاليا في ساحل العاج.
وكانت بعض الأوساط الإعلامية الرياضية الجزائرية روجت في وقت سابق، لخبر يفيد بتمويل دولة خارجية لنفقات المنتخب الموريتاني في الإعدادات لكأس افريقيا 2023، وإقامته أثناء المنافسات بالكوت ديفوار، في إشارة إلى المملكة المغربية، وهو ما ردت عليه الاتحادية الموريتانية لكرة القدم بالنفي، مُؤكدة أن: "الحكومة الموريتانية والاتحادية الوطنية تعتبران تمويل المنتخب الموريتاني، في حله وترحاله، مسألة سيادية غير قابلة للنقاش ولا للمساوة". كما جاء ذلك في بيان نشرته على صفحتها.
قد يقول قائل إنَ ما تمَ تداوله في الأوساط الرياضية الجزائرية بخصوص تلك المباراة، مجرد حدث عرضي عابر، وأنه من البديهي أن يحدث في مجال اللعبة والمنافسة، تصريحات من هنا وهناك قد يحمل بعضها نوعا من الاستفزاز لأحد الأطراف، كما قد يستدعي استثارة حمية الطرف الآخر، لكن يبقى ذلك كله في إطار روح الرياضة، ولا يستحق التعليق من أي كان، بالأحرى أن يكون من طرف بعض أعضاء الحكومة.
إلاَ أنَ المتابع للعلاقات الجزائرية الموريتانية، خصوصا في السنوات الأخيرة قد لا يفاجئه، توبيخ وزير الاتصال الجزائري لإعلام بلاده الرياضي، واستباقه لأي ردة فعل قد تصدر من طرف الإعلام الرياضي الموريتاني، يمكن أن تتطور مع الزمن إلى أن تأخذ أبعاداً سياسية، وبالتالي تتحول إلى أزمة بين البلدين، كما حدث للجزائر مع مصر في مباراتهما الشهيرة سنة 2009، والتي لم تنته تداعياتها حتى الآن.
ذلك أنَ الطرف الجزائري، لا يريد أن يخسر موريتانيا، التي بدأ يوليها في السنوات الأخيرة اهتماما منقطع النظير، كما يتأكد ذلك من خلال التبادل النشط للزيارات بين كبار المسؤولين في البلدين خلال الفترة الأخيرة، والتي كان آخرها، زيارة وزير الخارجية الجزائري، أحمد عطاف في 9 من فبراير الجاري حيث صرَح بأنَ: "العلاقات الجزائرية الموريتانية تعيش الآن أبهى مراحلها التاريخية تطوُراً وحركية، لا سيما في سياق المشاريع التكاملية والاندماج". هذا بالإضافة إلى إعلان البلدين عن إقامة منطقة حرة للتبادل التجاري بينهما مع بداية العام الجاري 2024 بهدف دفع التعاون الاقتصادي وتنويع أبعاده.
لكن، ما هو السر وراء ذلك كله؟
يُوحي الحراك الملحوظ مؤخراً في العلاقات الموريتانية الجزائرية بأن هذه الأخيرة، باتت أكثر توجُساً من دور المغرب في موريتانيا والذي ظلَ مُسيطراً على السوق الموريتانية لعقود من الزمن، خلال السنوات التي كانت فيها الجزائر مشغولة بترتيب وضعها الداخلي، لذلك سارعت الجزائر مُؤخرا إلى إبرام سلسلة من الاتفاقيات الاقتصادية المشتركة بين البلدين، وركزت بشكل أساسي على مدّ طريق بين البلدين، حيث تم الاتفاق في هذا الصدد على إنشاء طريق بري يربط بين تيندوف ومدينة ازويرات شمالي موريتانيا، وبالفعل تمت المصادقة على هذا الاتفاق من قبل الحكومة الجزائرية في 13 فبراير 2022.
وفي نفس هذا التاريخ أشرفت الإدارة العامة للتجمع الجزائري للنقل البحري (غاتما) على تسيير أول رحلة بحرية بين البلدين، لتكون بداية فعلية لنقل البضائع عن طريق الموانئ بينهما لا تستغرق سوى 6 أيام.
ضمن هذا السياق، يتضح أن تحرك الجزائر واهتمامها بموريتانيا في هذا الظرف تحديداً مرتبط بالوضع الجيوسياسي في المنطقة، خصوصاً أن نواكشوط تُمثل نقطة عبور إلى الضفة الإفريقية بالنسبة للجزائر والمغرب، لاسيما وأن طريق مالي ـــ النيجر التي كانت الجزائر تُراهن عليها، اتضح أنها مُكلفة وغير آمنة، بسبب الوضع المُضطرب في المنطقة.
ومن هنا أيضاً، يتضح أن اهتمام الجزائر المتزايد بموريتانيا يأتي أيضاً في سياق التنافس المغربي الجزائري، من أجل تسهيل الوصول إلى الأسواق الإفريقية عبر موريتانيا.
كما أنَ العامل الجغرافي الأمني حتَم على الجزائر التعاون والتنسيق مع موريتانيا من أجل حماية حدودها الاستراتيجية، خاصة وأنها تشكل امتدادا لحدود، تعرف توترات إقليمية في مالي والنيجر. 
وهكذا فإنَ الجزائر التي أصبحت تعمل مؤخرا بوتيرة متسارعة من أجل تعزيز وتوطيد علاقاتها مع موريتانيا في مجالات متعددة، لن تسمح لأي حدث مهما كان نوعه وحجمه أن يُفسد أو يهدم الأهداف التي تسعى إلى تحقيقها في موريتانيا أو من خلالها، تماماً كما أكَد ذلك وزير الاتصال الجزائري محمد لعقاب حين دعا الإعلاميين الرياضيين الجزائريين "إلى ضرورة التحلي بالمسؤولية في معالجة القضايا الرياضية، تفاديا لتوتر علاقات الجزائر مع دول الجوار". وربما تكن أيضا الرسالة الخطية التي جاء يحملها أمس وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف بصفته مبعوثا خاصا للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لرئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية محمد ولد الشيخ الغزواني، تأتي في هذا الإطار.. من يدري؟

 

سبت, 10/02/2024 - 16:01