الخطّة الأمريكية لمُستقبل غزة مصيرها الفشل

كمال خلف

خلال هذا الشهر بدأت تظهر ملامح تصورات أمريكية للتعامل مع مصير غزة، ومستقبل القطاع او ما يطلق عليه اليوم التالي بعد حرب الإبادة التي شنتها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني وسياسية التدمير الممنهج. ولم يحسن قادة إسرائيل سوى القتل والتدمير، وتكرار الكلام طوال ستة اشهر عن القضاء على حماس، واستعادة الاسرى.
لا يمكن بناء سيناريو متكامل لماهية الخطة الامريكية المزمع تنفيذها في غزة، ولا نفضل سرد توقعات وتكهنات للشكل النهائي للخطة وما يطبخ في دوائر القرار الامريكية من تصورات. بشكل حاسم هي جهود تبذل من اجل تحقيق اهداف إسرائيل، ومصالح الولايات المتحدة معا.
 لكن ما هو معلن حتى الان يوضح القواعد الأساسية التي ستقوم عليها الخطة الامريكية. اول تلك القواعد البدء في تشكيل حكومة جديدة في رام الله، وتكليف ” محمد مصطفى على راسها، في سياق المطالبة الامريكية المبكرة ” بسلطة فلسطينية متجددة ” تقوم بمهام في الضفة والقطاع. شكل الحكومة المقبلة ” من التكنوقراط” هو مطلب امريكي أساسي يضع الولايات المتحدة في صلب عملية تشكيل ومهام هذه الحكومة. ثم يأتي الميناء الأمريكي المؤقت على شواطئ غزة، ومهامه المعلنة توصيل المساعدات والإغاثة لسكان القطاع، لكن كل التساؤلات التي طرحت حول مهام الميناء غير المعلنة، تؤكد ان هناك اهداف سياسية وامنية أمريكية على صلة بمصير ومستقبل القطاع، ويضاف الى كل ذلك التقارير عن القوات الفلسطينية التي تعدها الولايات المتحدة في الجنوب وتضعها بقيادة رئيس الاستخبارات الفلسطينية ” اللواء ماجد فرج ” المقرب من دوائر الاستخبارات الامريكية والإسرائيلية، بينما تكثف الولايات المتحدة الاجتماعات مع اطراف عربية، مع حجز كرسي دائم في هذه اللقاءات لرجلها الثاني الموكل الشق السياسي ” حسين الشيخ “.
يترافق كل ذلك مع عملية بحث مستمرة عن عشائر وشخصيات محلية داخل القطاع تتعاون مع الوضع الجديد.
هذه التحركات الامريكية عينة، تعطينا مؤشرات على بدء الإدارة الامريكية عملية تنفيذ تصوراتها لمستقبل القطاع.
لكن لا يجب التعامل مع هذه الخطط على انها قدر محتوم، بل اكثر من ذلك يمكن ان نتوقع لها الفشل الذريع والكارثي.
أولا لانها سياسية “”بيع جلد الدب قبل صيده “”، ولأنها اعمال تضع العربة امام الحصان، فالحرب لم تنته بعد، والمقاومة مازالت فاعلة في عموم مناطق القطاع، ولهذه المقاومة حلفاء يعتبرون ان لديهم اليد العليا في الإقليم، وانهم قادرون على افشال المخططات الامريكية وقد فعلوا ذلك سابقا مرارا.
قائمة المشاريع والخطط الامريكية في منطقتنا خلال عقدين ونصف من الزمن، ربما تكون الدليل حول مصير الخطة الامريكية المزمعة في غزة. فيمكن بمحاكمة عقلية الحكم على فشل خطط الولايات المتحدة الان في غزة، قياسا على تجربة الولايات المتحدة الكارثية في العراق بعد غزوه عام ٢٠٠٣، والنهاية الفاشلة والمخزية للقوات الامريكية في أفغانستان، وفشل مشروع الناتو العربي الإسرائيلي في مواجهة ايران، وفشل مشروع صفقة القرن ودفنه، والفشل في اسقاط النظام في سورية، والفشل في اليمن، يضاف اليه الفشل في التعامل مع الملف النووي الإيراني، وبرنامج الصواريخ بعيدة المدى، والفشل في مشاريع وبرامج اضعاف حزب الله في لبنان. هذا يرجح ان الترتيبات المربكة التي تحاول الولايات المتحدة فرضها في غزة، لن يكون نصيبها افضل من الاستراتيجيات السابقة.
وهذه القائمة الطويلة من الفشل، لا يمكن تعليلها الا في سياق تراجع المكانة الامريكية في صلب النظام الدولي، وانكفاء التأثير الأمريكي في منطقتنا بشكل محدد.
ما تخطط له الولايات المتحدة شريكة إسرائيل في كل مذابح الإبادة البشعة في غزة امام عدسات الكاميرات وامام نظر وسمع العالم كله، ليس قدرا، ولا يجب التسليم به، والانسياق نحو الآراء المحبطة، ومن يعتبر ان الخطط الامريكية لا يمكن مقارعتها وافشالها ودفنها.
 الدمار والقتل والعذابات والمجازر البشعة والتجويع والحصار كلها جرائم من صنع الولايات المتحدة قبل إسرائيل، ولم يكن لإسرائيل ان توغل بدم شعب كامل بهذه الوقاحة لولا الحماية الامريكية، والشراكة الكاملة في الجريمة، وهذه الجرائم ستكون وبالا على من فعلها ومن وقف الى صفه. واذا كان من نصيحة ختاما هي لمن ارتضى ان يكون أداة بيد هذه القوى المتوحشة ضد أبناء شعبه، واخوته، سواء كان فلسطينيا او عربيا، التاريخ والمستقبل معا سوف ينصفان الضحايا ويلعنان كل من شارك في الجريمة.

نقلا عن رأي اليوم 

سبت, 23/03/2024 - 13:24