انقلاب بايدن على نتنياهو… هل يوقف الحرب؟

د. عبد الله خليفة الشايجي

برغم الفرص العديدة التي منحها بايدن وإدارته للحرب الأطول والأكثر دموية في تاريخ الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين والعرب، وبسبب صمود المقاومة الفلسطينية غرق نتنياهو وجيشه في مستنقع غزة-وفشلت حرب الإبادة بتحقيق الأهداف غير الواقعية. وبسبب الانقسامات الحادة داخل بنية النظام السياسي الأمريكي وخاصة داخل الجناح التقدمي في الحزب الديمقراطي، وحالة الغضب ومظاهرات واحتجاجات طلبة الجامعات الأمريكية والناشطين، انقلب الرئيس بايدن على مواقفه ليحقق مكاسب سياسية بالضغط على نتنياهو وحكومته المتطرفة واستعادة دور القيادة الأمريكية بعد تخليه طوعاً عنها وترك نتنياهو وزمرته المتطرفة تتحكم بالقرار والموقف الأمريكي لثمانية أشهر في انحياز واصطفاف وسقوط أخلاقي وتعميق عزلة إسرائيل دوليا وتحولها لكيان منبوذ بقرارات محكمتي العدل الدولية والجنائية الدولية وارتفاع عدد الدول الأوروبية التي تعترف بالدولة الفلسطينية ـ ويكرر بايدن تحذيره بأن الحرب تدفع إسرائيل للعزلة دولياً.
شن الرئيس بايدن انقلابا استباقيا مفاجئا بعرض تفاصيل اقتراح «إسرائيلي» مكون من ثلاث مراحل، لأنه آن أوان إنهاء الحرب على غزة وبدء اليوم التالي، والإفراج عن الرهائن المحتجزين ـ وإعادة إعمار قطاع غزة.
هدف الرئيس بايدن في انقلابه على موقفه الداعم للحرب الذي وصل لاستخدام الفيتو ثلاث مرات معارضاً وقف الحرب قبل هزيمة حماس والإفراج عن الأسرى الفلسطينيين لدى حماس في غزة، لإحراج نتنياهو وحكومته للتراجع عن مواقفهم، وتوجيه رسالة لليمين الإسرائيلي بإعلانه هناك وزراء في الحكومة الإسرائيلية يرفضون المقترح في إشارة لنتنياهو وبن غفير وسموتريتش…
وكان ملفتاً تأكيد الرئيس بايدن تسليم المقترح الإسرائيلي وليس من حكومة نتنياهو إلى حماس عبر الوسيط القطري. والمستغرب إعلان المقترح من رئيس دولة أجنبية بدلا من الحكومة الإسرائيلية؟ والواضح أن هدف بايدن الضغط لفرض الأمر الواقع على الحكومة الإسرائيلية وتغيير حساباتها. خاصة أن المقترح يحظى بتأييد الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والعرب وحماس.
المراحل الثلاث: المرحلة الأولى وقف شامل للعمليات العسكرية لمدة ستة أسابيع وانسحاب القوات الإسرائيلية من المناطق السكنية وإدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة بمعدل 600 شاحنة يومياً.
تتفاوض إسرائيل مع حماس للوصول للمرحلة الثانية التي تضع نهاية مستدامة للقتال وتبادل الرهائن الأحياء وكبار السن والنساء مقابل إفراج إسرائيل عن مئات السجناء والرهائن الفلسطينيين.
المرحلة الثالثة تقديم خطة واسعة لإعادة إعمار قطاع غزة. وحذر بايدن في حال رفضت حماس مقترح الحل فهذا يعني استمرار حرب إسرائيل عليها. لكن ماذا عن رفض نتنياهو؟
علينا ألا نغفل أن المقترح بمراحله الثلاث يخدم مصالح بايدن السياسية والانتخابية. ويتماهى في مضمونه ومراحله مع مقترح قدمته حماس لوقف الحرب المكون من ثلاث مراحل أيضاً، تقود لوقف العمليات العسكرية وإطلاق سراح جميع الرهائن وعودة النازحين وكسر الحصار وإعادة إعمار قطاع غزة.

لم يضع الاتفاق آلية وخريطة طريق بمواعيد واضحة لتفعيل عملية السلام الميتة للتوصل لحل الدولتين وقيام دولة فلسطينية وهو هدف الولايات المتحدة منذ عقود

ولممارسة الضغط أشار الرئيس بايدن لوجود وزراء في الحكومة الإسرائيلية يرفضون المقترح. لكن من الواضح أن نتنياهو والوزراء المتطرفين الذين أشار إليهم بايدن لن يوافقوا على المقترح. والملفت تكرار الرئيس بايدن لوقائع روجها الطرف الإسرائيلي بقيام مقاتلي حماس بعد اقتحام مستوطنات غلاف غزة يوم 7 أكتوبر بقتل أطفال واغتصاب نساء! وثبت من منظمات حقوقية ودولية وصحف ووكالات أنباء أمريكية بعد إجراء تحقيقات كذب وتلفيق متعمد للاتهامات لشيطنة حماس واستدرار العطف مع إسرائيل بالضحية.
في أول رد فعل على خريطة الطريق، نقلت القناة 13 بعد ساعة من إعلان الرئيس بايدن المفاجئ عن خريطة الطريق عن مسؤول إسرائيلي كبير (عادة يكون نتنياهو نفسه) في أول تعليق لمسؤول إسرائيلي-اتهامه للرئيس بايدن أنه لا يفهم الواقع لدينا. وخطابه ضعيف ويمثل انتصارا لحماس. ويصر نتنياهو التمسك بموقفه والاستمرار بالحرب حتى هزيمة حماس وإطلاق سراح الأسرى.
واضح هدف الرئيس بايدن قبل خمسة أشهر من انتخابات الرئاسة الحاسمة في نوفمبر، وقبل مؤتمريّ الحزبين الجمهوري والديمقراطي بعد شهرين تحقيق إنجازات رجل دولة بعكس ترامب الذي وصفه بالمهدد للديمقراطية، بعد إدانته بأربع وثلاثين تهمة جنائية بتزوير السجلات المالية وإخفاء دفع أأاموال للممثلة الإباحية ستورمي دانيلز عام 2016 لشراء سكوتها عن العلاقة الغرامية حتى لا تؤثر على حملته الانتخابية بهزيمة هيلاري كلينتون. وذلك بوقف الحرب الدامية وإنهاء الاصطفافات ضده واستمالة الناخبين العرب والمسلمين وشباب الجامعات المنتفضين، وذلك بعدما خسر دعمهم وأصواتهم. وبالتالي يعزز فرص فوزه، وينقذ ما تبقى من سمعة أمريكا بعد سقوط مكانتها ومصداقيتها أمام الرأي العام العالمي كشريك في جرائم الحرب الدامية والمدانة من منظمات حقوق الإنسان وتحميل بايدن وإدارته مسؤولية استمرار الحرب وتصاعدها.
ويمهد وقف إطلاق النار في غزة وتمهيد الطريق لقيام دولة فلسطينية، وهذا شرط السعودية لتطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل ـ وهو طموح بايدن ويسعى لتحقيقه في رئاسته الأولى.
لكن لم يتطرق الاتفاق المقترح-عن اليوم التالي بعد نهاية الحرب؟ والطرف الذي سيدير قطاع غزة ودور حماس المستقبلي فيها وفي تركيبة الحكومة أو السلطة الفلسطينية مستقبلا؟
ولم يضع الاتفاق آلية وخريطة طريق بمواعيد واضحة لتفعيل عملية السلام الميتة للتوصل لحل الدولتين وقيام دولة فلسطينية وهو هدف الولايات المتحدة منذ عقود، فيما ترفضه حكومة نتنياهو المتطرفة، الذي يُفاخر أنه من عطّل سراب اتفاق أوسلو ومنع قيام دولة فلسطينية.
وفيما جاء رد حماس إيجابيا: «ننظر بإيجابية إلى ما تضمنه خطاب الرئيس الأمريكي من دعوته لوقف إطلاق النار الدائم والانسحاب الكامل من قطاع غزة»! لكن يبقى التساؤل عن رد حكومة نتنياهو على السلام الذي قدمه بايدن؟ وموقف بايدن في حال رفض نتنياهو وزمرته المتطرفة المقترح الإسرائيلي ـ الأمريكي؟

أستاذ في قسم العلوم السياسية ـ جامعة الكويت

نقلا عن القدس العربي 

اثنين, 03/06/2024 - 09:09