كيف يمكن لموريتانيا أن ترجح كفة الميزان في صراع دول الساحل مع الارهاب

عبد الرحيم التاجوري

شهدت العلاقات الموريتانية مع مالي، في الآونة الأخيرة تغيرات كثيرة، تراوحت من التوتر والتصعيد إلى التشاور والتنسيق المشترك، وبخاصة في ملف مكافحة الإرهاب ونشاط المنظمات الإرهابية في تلك المنطقة.

حيث تجمع بين مالي وموريتانيا، حدود برية تزيد على 2200 كيلومتر وتنشط فيها العديد من الجماعات الإرهابية المسلحة، مما زاد من حوادث الاختطاف والتهريب والقتل، والتي كانت سبباً في توتر العلاقات ثم تحسنها لاحقاً بين البلدين. وفي الأشهر القليلة الماضية، شهد البلدان حركة دبلوماسية نشطة وفتحت قنوات اتصال فعالة بين مسؤولي البلدين وتنسيق عالي المستوى.

 

معركة دول الساحل مع الإرهاب
وفقاً لتقارير إعلامية وعسكرية، تنشط في منطقة الصحراء والساحل الأفريقي وبشكل خاص النيجر، مالي، وبوركينا فاسو جماعات مسلحة إرهابية متعددة الولاءات والخلفيات منذ ما يقارب العشرة أعوام.

 

وبحسب مراقبين فإن هذه الحركات، منها ذات بعد ايديولوجي مثل "بوكو حرام" وتنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" و"حركة الجهاد والتوحيد في غرب أفريقيا"، ومنها تلك التي يمكن تصنيفها من خلال أهدافها وانتمائها الجيوسياسي مثل الحركات الانفصالية في مالي والنيجر.

 

 ويؤكدون أن تلك  الحركات المسلحة والجماعات الإرهابية تسببت بأعمال عنف دموية منذ 10 أعوام، على الرغم من تواجد قوات حفظ سلام دولية، وقوات فرنسية منذ عام 2013 في المنطقة. ولكن، ويضيفون أن القوات الفرنسية والأممية لم تقدم لسكان تلك الدول الأمن أو الحماية، ولم تقلل من معدل العنف، بل ازداد انتشار الجهل والإرهاب، مما دفع السكان للثورة وطرد القوات الأجنبية من بلدانهم، ليقوم قادة البلدان الثلاثة لاحقاً بإنشاء تحالف دول الساحل، في سبتمر 2023 والذي يأتي في مقدمة أهدافه "محاربة الجماعات الإرهابية التي تنشط في المنطقة الحدودية بين الدول الـ3".

وبحسب حمود لعب تحالف دول الساحل دوراً فعالاً في مكافحة الإرهاب عبر الحدود وتدمير جزء كبير من قوة الجماعات الإرهابية المنتشرة في المنطقة. كما أن العملية العسكرية التي أطلقها الجيش المالي ضد الإرهابيين بدعم واشراف من قبل قوات روسية، مكنت مالي من استعادة السيطرة على مناطق شاسعة في البلاد، كما ساهمت في دحر عدد كبير من الإرهابيين الذين بدأوا بالفرار تجاه الحدود الموريتانية.

 

التهديدات الإرهابية لموريتانيا
بحسب الخبير العسكري والاستراتيجي سيد غنيم، فإن العمليات العسكرية المهمة التي نفذها تحالف دول الساحل ضد الجماعات الإرهابية دفعت بأعداد كبيرة من الإرهابيين للفرار من ضربات الجيش المالي تجاه الحدود الموريتانيا، ولم يمر وقت طويل حتى ظهرت نتائج فرارهم، بحدوث بعض أعمال العنف ضد مواطنين موريتانيين وماليين على الحدود.

 

 وبحسب بعض المصادر الاستخباراتية، فإنه من المحتمل أن تكون المخابرات الفرنسية هي من تقف خلف تنسيق عمليات تلك المجموعات الإرهابية ضد موريتانيا وذلك بهدف إحداث فتنة وأزمة بين مالي وجارتها موريتانيا خاصة بعد خسارة فرنسا لنفوذها في المنطقة.
ووفقا لغنيم، حدث العكس، وبدأت السلطات الموريتانية بارسال وفود عسكرية إلى باماكو للبحث عن خلفيات الحوادث والظروف، والتنسيق المشترك، كما تعهد وزير الداخلية واللامركزية المالي بتعميق البحث والقبض على المجرمين.

 

أهمية موريتانيا في القضاء على التهديدات الإرهابية 
وبحسب غنيم، فإن المواجهة مازالت مستمرة مع الجماعات الإرهابية، وخاصة جماعة «نصرة الإسلام والمسلمين»، والعامل الأهم في حسمها هو دخول موريتانيا على خط المواجهة بشكل مباشر مع تحالف دول الساحل. مشدداً على أن موريتانيا قادرة على أن تلعب دوراً هاماً جداً في القضاء على الإرهاب في المنطقة، كما أنها تعتبر واحدة من البلدان الأفريقية التي لديها أدنى مستوى من الإرهاب. بالإضافة إلى أنها تبذل جهوداً مهمة في هذا الإطار. إلى جانب ذلك كانت القوات المسلحة الموريتانية قد بدأت بالانتشار في المنطقة الحدودية مع مالي، بهدف تعزيز أمن المناطق الحدودية.

وفي السياق ذاته، كان قد أعلن وزير الدفاع الموريتاني حنينا ولد سيدي، في أيار مايو الماضي، خلال جولة له على الحدود مع مالي وفي إقليمي العدل بكرو وباسكنو، أن جيشه قادر على حماية المواطنين وممتلكاتهم. وشدد ولد سيدي على أن أهمية العلاقات مع مالي وعمقها، مؤكدا أن الرئيس الموريتاني بعث برسالة إلى نظيره المالي تضمنت أهمية الحفاظ على أمن مواطني البلدين.

من جهتها، منحت باماكو للجيش الموريتاني مساحة جديدة في مالي للقيام بعمليات المراقبة. كما تم إنشاء دوريات مشتركة وممرات آمنة للمدنيين.

 

العلاقات بين مالي وموريتانيا
تتميز العلاقات بين موريتانيا ومالي بالتداخل والترابط الديني والتاريخي والثقافي والاجتماعي، بالإضافة لصلاة القربى بين العديد من المجموعات العرقية.

كما وقفت نواكشوط مع الشعب المالي في أزمات النزوح والهجرة التي عاشها، وتستضيف موريتانيا حاليا 150 ألف لاجئ من مالي، ويتوقع أن يصل العدد في النصف الأول من 2024 إلى ربع مليون نسمة.

 

وتعتمد مالي على ميناء نواكشوط في الاستيراد والتصدير، كما أن مالي تستقبل عبر الطرق البرية الموريتانية شاحنات محملة بالبضائع قادمة من الجزائر والمغرب، وتعتبر موريتانيا جاذبة للعمالة من مالي، وفي المقابل، يعتمد الرعاة وتجار المواشي في المناطق الشرقية الموريتانية على الأراضي المالية التي تتميز بوفرة المراعي الخصبة والغابات الكثيفة.
ونظرا للمنافع المتبادلة بين البلدين، فإن مبدأ المصالح العامة يقتضي التنسيق والتشاور والقضاء على أي تهديدات إرهابية أو توترات أمنية على جدود البلدين.

 

عبد الرحيم التاجوري .. الكاتب والباحث في شؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

اثنين, 10/06/2024 - 22:03