الكاتب والتعليق

علي الزعتري

تستوجب الكتابة هذه الأيام شجاعةً فيمن يتقدَّمُ لتسجيلِ أفكارهِ علانيةً. فلم يكن الكاتب قبل عقدين ويزيد يُلْقيِ كثيرَ البال للاستحواذ على تلك الشجاعة لأن كتابة مقالةٍ في صحيفةٍ ورقيةٍ أو تأليف كتابٍ كان محكوماً بالقيود الرسمية والمؤسسية و بالوقت ووسائل الاتصال التي كانت أبطأَ مما وصلنا له اليوم بمراحل طويلة. تستمر هذه القيود في الصحف الورقية والتأليف والنشر ببلادنا لكن الذي اختلف هو دخولنا عالم الوسائل فائقة السرعة  وسهولة استخدامها. بالتأكيد، لاقى كُتَّابٌ كثيرون شُهرةً فاقت الآفاق ومنهم من واجهَ مصيراً مأساوياً. على مر العصور منهم من دفع حياته ثمناً لأفكاره التي وجدتها السلطات في غير مكانها. بعض الكُتَّاب سُجنوا و عُذِّبوا و بعضهم نُفِيَ خارج وطنه و بعضهم لوحقَت مؤلفاته وحُرِقت وبعضهم توقف عن الكتابة ليحمي نفسه و بعضهم ممن واصلَ لُعِنَ وأُهينَ واستُهزِءَ بكتابته وهو ثمنٌ أليمٌ لكنه مع التصميم لنشر الفكر كان أفضلَ للكاتب من غيرهِ من العقوبات، وعديدهم اختفى وراء إسمٍ مستعارٍ سرعان ما انكشف من المتابعين الذين إما امتدحوا أو جلدوا.  هذا حال الكاتب والقارئ الناقد ولم يسلم من هذا المصير حتى الكتب السماوية ولا نزال نرى سفاهةَ من يترصد الخطأ في سماويةِ القرآن الكريم، فكيف بكلمات بشر؟ من يكتب سطراً و كتاباً عليه أن يتحمل النقد وما قد يكون أسوأَ.
ثم أصبحت الكتابة اليوم ذات وقعٍ فوري في النشر والتعليق بفضل الإنترنت والوسائل الاتصالية ولا داعي لشرح ما صار عند الناس فطرةً أساسيةً في يومهم.  أمكنت وسائل التواصل للجميع، العالم والأقل علماً، كتابةَ ما يريدون والتعليق بما يريدون. ما يهمنا هو خاصيتين في تناول المكتوب مقالةً كان أم كتاباً: التعليق و الإسم المستعار.  أما التعليق فهو في متناول اليد لمن يريد كما هو واضح. فلك أن تمدح وتذم. و الإسم المستعار الذي يختفي وراءه الناس خجلاً، أو خوفاً من ملاحقةٍ فيها ضررٌ من تعليقٍ صارخٍ ضد مظلمةٍ، أو صادقاً بشأنٍ عام، أو جارحاً لأن المُعِّلِقْ كَرِهَ المكتوب وجَهَرَ برأيٍّ خلف ستارٍ من الاسم المستعار.  يبقى المُعَلِّقْ بالاسم المستعار بدون شجاعةِ الكاتب الذي يضع إسمه مع مقالته وربما صورته والذي يكتب مقتنعاً أنه منطقيٌّ في ما يكتب معبراً عن فكرهِ لا ما يحب القارئ أن يقرأه لينال الإطراءات. والمعلق بالاسم المستعار، خاصةً عندما ينتقد الكاتب وما كتب بالتعابير التهكمية، قد يفتقر للمروءة، فهو أشبهَ ما يكون بالمتلصص الذي لا يستطيع مواجهةً عيناً بعينٍ فيتوارى بالاسم المستعار.
بعض الأدوات الإعلامية تراقب التعليقات فتحجب ما تراه خارجاً عن سياستها وبعضها لا يستطيع أو يريد ذلك إما لمبدأ الحفاظ على حرية التعبير أو لتفادي تكلفة الرقابة التي تتطلب جهداً بشرياً عالي الثمن.  وهكذا نقرأ من التعليقات الغثَّ الرث والسمين. وأفضلها طبعاً ما يأتي من مُعَلِّقٍ يذكر اسمهُ وينتقدُ أو يمدح غير جامحٍ في الذم أو المدح.
أم الكاتب فهو و قد اختارَ أن يكتب و سُمِحَ له النشر من قِبَلِ وسيلةٍ رصينةٍ فقد عَبَرَ من خصوصيةٍ، لأنه لا يكتب لنفسهِ، بل في فضاءٍ عامٍ يقرأه كل من يريد. و عليهِ لذلك أن يتحملَ النقد وإن جمحَ و جرحَ و أن يسعدَ بالتأكيد بالمدح والإطراء.  وحبذا لو تحلَّى المعلق الناقد بالأدب عند التعليق، وبالذكاء في توضيح وجهة النظر المغايرة، وأفصحَ عن هويتهِ. ولربما بدلاً من التعليق قام بكتابةِ أفكاره بمقالٍ باسمه وصورته ليتجاوز ذنب الاغتياب للكاتب وينضم له في شجاعةِ الرأي.
دبلوماسي أُممي سابق
الأردن

نقلا عن رأي اليوم 

أربعاء, 03/07/2024 - 15:02