توفي الصهيوني الاسترالي مارتن إنديك في ٢٥ يوليو ٢٠٢٤.
منح الجنسية الامريكية في عهد الرئيس كلينتون وكان أول سفير امريكي يهودي للولايات المتحدة لمرتين ثم وكيلا للخارجية الامريكية. هذه القفزات لشخص متجنس لم تأت من فراغ بل لالتزامه بمصالح إسرائيل التي تتناقض مصالح الفلسطينيين.
ذهبت في يونيو 1989 إلى الولايات المتحدة، نتيجة خديعة حقيرة، حرمتني من الدراسة في فرنسا وكنت ضمن مجموعة دبلوماسية وإعلامية عربية أذكر منها الإعلامي الفلسطيني المقدسي عماد بوعكر والسفير الكويتي الصديق جمال الغنيم. تضمن برنامجنا زيارةعدة ولايات ومقر الأمم المتحدة وكونجرس إسرائيل ووزارة الخارجية وفيها التقيت بمفردي بمسؤل اليمن الذي قال لي وهو لايجهل أني من الشمال بأن بلاده تريد إقامة علاقات مع اليمن الجنوبية وطلب مني أن أحمل هذه الرسالة إلى عدن وقد اعتذرت وطلبت منه التواصل مع الجنوب رأسا .هذا المسؤل لم ينس أن يذكرني بأن الولايات المتحدة تترك للدول العربية حرية تأييد فلسطين. زارت المجموعة معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى الذي شارك في تأسيسه مارتن إنديك قبل أن يتجنس بالجنسية الامريكية الذي كان قد حصل على درجة الدكتوراة في القدس الغربية المحتلة أثناء حرب اكتوبر عام ١٩٧٣. كُتب في برنامج الزيارة أننا سنزور “مؤسسة تعليمية”! ولكن مرافقنا المصري جمال هلال الذي يبدو من إسمه أنه مسلم ولكنه مسيحي وان والده سماه جمالا حبا في جمال عبد الناصر وما مثّله. نبهنا جمال قبيل دخول المصعد بأننا سنزور أخطر مكان في واشنطن ولم يكن الوقت يسمح لأحد بتوجيه أي استفسار يتصل بالتعارض بين ما هو مكتوب بالبرنامج وهُوية هذه المؤسسة.
كان المتحدث الوحيد معنا هو مارتن إنديك الذي اقتصر حديثه على السلام في “الشرق الأوسط “ولكنه لم يفرق بيننا كعرب وبيننا فلسطيني وبين أي زائرين غير عرب للترويج لسياسة إسرائيل لتحقيق سلام ناقص يقتل حقوق الفلسطينيين. تحدث أولا عن أن أكبر مخزون للأسلحة في “الشرق الأوسط ” يمتلكه العراق وهذا خطر على السلام في الشرق الأوسط وعلى السلام الدولي وطالب بضرورة نزع هذا السلاح كأحد متطلبات السلام . للتذكير لم يكن قد مر على انتهاء الحرب العراقية الإيرانية إلا عشرة أشهر وهي فترة لاتمكّن العراق من امتلاك تلك الترسانة المزعومة لأنه خرج من الحرب منهكا عسكريا واقتصاديا، ولكن الاستراتيجية الإسرائيلية التي تنفذها واشنطن وتروج لها مراكز دراسات وأبحاث صهيونية كهذا المعهد هي الزعم ب”خطورة السلاح العربي”! واستبعاد خطر سلاح إسرائيل على العرب بما فيه النووي.
لم يستح إنديك بأن يقول أمامنا بأن إسرائيل يجب أن تكون متفوقة عسكريا على كل الدول العربية ضمن الترويج الصهيوني لنظرية الأمن المطلق لإسرائيل وانعدامه لجيرانها. لاحاجة للقول بأن ترسانة الأسلحة الإسرائيلية وقتذاك كانت تفوق مايملكه العراق كما وكيفا ولكن إنديك تجاهل هذه الحقيقة. وعندما بدأت الحملة الإسرائيلية- الغربية ضد العراق وأسلحته ونظامه أدركت أن البذرة نمت وترعرت في هذا المعهد الصهيوني الذي كان يضم في رئاسته دونالد رامسفيلد وأكثر أعداء العرب والإسلام دانييل بايبس. تحدث إنديك أيضا عن شروط إسرائيل للسلام ومنها اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بإسرائيل دون الإشارة إلى اعتراف إسرائيلي مقابل بفلسطين والتحرر من الاستعمار الإسرائيلي وقيام دولة فلسطينية. كانت الدولة الفلسطينية حينذاك في أذهان كثيرين تحصيل حاصل ونتيجة طبيعية لعملية/ات السلام! ولم يكن أحد يتصور أن دولتين إثنتين ستختلفان عليها. أضاف إنديك بأن الرئيس عرفات إذا أراد أن يُسمّى President، أي رئيس منتخب وليس Chairman، رئيس ميليشيات بلغة اليوم، فعليه الاعتراف بإسرائيل وأن يسعى شخصيا لإعادة الاتحاد السوفييتي لعلاقاته المقطوعة مع إسرائيل منذ حرب ( الأصح عدوان) ١٩٦٧. لاحظت مع زميلي الإعلامي المقدسي الفلسطيني عماد بو عكر أن إنديك يتخاطب معنا كجهلاء بقضيتهم أوتي بهم لينصتوا ويصمتوا على مايروجه هو ومعهده . إنديك لم يطلب من إسرائيل أن تقوم بأي خطوة نحو سلام فعلي كالانسحاب من فلسطين ومن الجولان ومن مزارع شبعا ولم يقل ان السلام الحقيقي مصلحة مشتركة.احتدم النقاش بيننا الثلاثة إلى الحد الذي آثار غضبه وقال بعصبية إذا أنتم تراهنون على البيت الأبيض وأدار ظهره إلى الخلف فإن الكونجرس معنا وكان مبنى الكونجرس يُرى بوضوح من خلفه من نافذة زجاجية كبيرة، وكان الرئيس جورج بوش هو الرئيس آنذاك. بعد أن غادرنا القاعة قال جمال هلال أن إنديك لم يسمع كلاما مثل الذي قلتماه اليوم. في المعهد وزع علينا كتاب” Building Peace بناء السلام” وبإعادة تصحفي له لغرض كتابة هذا المقال وجدت مايلي:
١- أن تهجير الفلسطينيين مبدأ صهيوني راسخ وأن المعهد اقترح أن الأردن سيكون بوابته.
٢- يصيغ الفلسطينيون مستقبلهم وفق اختبارات أمن إسرائيل ويسيرون شؤنا محددة في إطار حكم ذاتي يدير الأرض والمياه والأمن.
٣- دور العراق هو الحفاظ على الأمر الواقع الإقليمي ورفض عودته إلى وضعه كقوة مزعزعة للاستقرار قبل حربه ضد إيران.
٤- على الرئيس الامريكي القادم تعيين ممثلين إلى ” الشرق الأوسط” وفق التزام للإدارة الامريكية الجديدة لعملية سلام تعيد تشكيل البيئة وليس البحث عن اختراق في المفاوضات. وعلى المبعوثين تجنب خلق توقعات غير مناسبة لحلول كبرى.
٥- وقف الاتحاد السوفيتي والصين والاوربيين الغربيين لتدفق صواريخهم وتكنولوجيا الصواريخ إلى “الشرق الأوسط “.
بعد وفاة إنديك أسرفت صحف امريكا بوصفه “رجل السلام”، والحقيقة هي أنه لم يكن كذلك وإن انتقد غطرسة إسرائيل hubris وهذه الكلمة استخدمها هو. سقف إنديك كان إعطاء الفلسطينيين الفتات وحكم ذاتي تحت حراب إسرائيل. وبعد ابتعاده عن العمل الدبلوماسي كان الرئيس بايدن يستدعيه لاستشارته حول عملية التطبيع مع السعودية. صحيفة :تايمز أف إسرائيل” في الثناء عليه وصفته ب”المحب لإسرائيل” الذي اختلف مع اليمين المتشدد ولم تقل كلمة واحدة عن دعمه لتحرير فلسطين من الاحتلال الصهيوني العنصري أو وقف العدوان على غزة والضفة وتحقيق سلام عادل دائم رفضته وترفضه إسرئيل وامريكا وكل القطيع الدولي الإسرائيلي حتى اليوم
* سفير يمني متقاعد
نقلا عن رأي اليوم