يطيب لبعض المهتمين بالسياسية أن يربط بين مصالح نتانياهو الشخصية، وبين رفضه لمقترحات وقف إطلاق النار في غزة، وأن نتانياهو هو المسؤول شخصياً عن إعاقته جهد الوسطاء في الوصول إلى صفقة تبادل أسرى، ويبرر أولئك المهتمون والمتابعون أفكارهم بالربط بين عشق نتانياهو للحكم والسلطة، وبين التشدد، ويزيدون جرعة اليقين مع ربط الموقف السياسي بشخصية نتانياهو الخائف من المحاكمة، والذي يفر من مصيره المحتوم في السجن، من خلال تصعيد المعارك، وتوسيع مجالها ومداها.
قد يكون في ذلك الطرح بعض الوجاهة، لو كان نظام الحكم في إسرائيل جمهورياً، أو دكتاتورياً، أو يخضع لحكم الفرد المطلق، ولكن نتانياهو يمارس وظيفته كرئيس وزراء منتخب ديمقراطياً، ويشكل حكومته الائتلافية من أغلبية برلمانية، وهذا يحتم الفصل بين القرارات الفردية، والمواقف الشخصية لرئيس الوزراء، والقرارات المصيرة التي تهم الدولة ككل، وتصب في صالح الأغلبية التي أعطت ثقتها للحكومة.
ومن المؤكد أن المصلحة العليا لإسرائيل لا يقررها شخص رئيس الوزراء، ولا يفرض رئيس الوزراء قناعاته العسكرية والسياسية على مجلس الحرب، أو على المستوى العسكري والأمني بصفته الشخصية، وإنما بصفته الممثل الشرعي والوحيد لهذه الحكومة المنتخبة بشكل ديمقراطي، ولفترة زمنية محدودة، وهذا ما قاله نتانياهو للفريق الأمني والعسكري الذي طالبه بوقف إطلاق النار، والتوصل إلى صفقة لإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين لدى رجال المقاومة، قال نتانياهو بجلاء: لكم أن تقدموا التوصيات، ولكن القرار السياسي للحكومة.
نتانياهو شخصية سياسية أيديولوجية، اعترض على خطة شارون للانسحاب من غزة 2005، وهو الذي قال تحت الضغط الأمريكي سنة 1996: نعم للمفاوضات مع السلطة الفلسطينية، ولا للتنازلات، وقد تحقق له ذلك حين رفض تطبيق اتفاقية الخليل في تلك السنة، وتعمد وضع العراقيل في دواليب المرحلة الثانية من اتفاقية أوسلو، حين رفض تطبيق ما جاء من اتفاقيات في المرحلة الانتقالية، ونتانياهو صاحب كتاب مكان تحت الشمس، والذي يشرح فيه شخصية نتانياهو الأيديولوجية، الشخصية التي ترى بكل أرض فلسطين أرض إسرائيل، والشخصية التي يرى أن إسرائيل دولة يهودية ديمقراطية، يتميز فيها العرق اليهودي على مجمل سكانها الآخرين، وهو الذي يرى أن الأمن روح إسرائيل، ولا يتحقق الأمن إلا بالقوة، وبالمزيد من القوة، ويرى نتانياهو نفسه ملك إسرائيل، ونبيها الذي يحارب العماليق على أرض غزة، واستشهد في خطابه أمام الجند الصهاينة بما جاء في كتاب التناخ اليهودي بشأن شراسة الحرب على غزة، ويزعم نتانياهو أن جيشه اليهودي يحارب ملك عراد في جنوب الضفة الغربية، ويرى نفسه خليفة أنبياء إسرائيل؛ الذي أقاموا هيكلهم في القدس ـ كما يزعمون ـ وأن لا حق لغير شعب إسرائيل بشبرٍ من هذه الأرض، التي منحها ربهم لنبيهم يعقوب، الذي صار اسمه “إسرائيل” فيما بعد، وبمنطق المالك لأرض إسرائيل المعطاة من الرب، جاء رد نتانياهو على قرار التحكيم الصادر عن محكمة العدل الدولية، حين اعتبرت الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية غير شرعي، وطالبت بإنهاء الاحتلال.
على المفاوض الفلسطيني ألا يغفل شخصية نتانياهو الأيديولوجية، التي تأسست على فكرة التمسك بهذه الأرض التي منحها ربهم لشعب إسرائيل، وعلى المفاوض الفلسطيني ألا يتجاهل تحالفات نتانياهو الحزبية، وألا يقفز عن توجهات مجتمع إسرائيلي جامحٌ، جنح باتجاه اليمين والتطرف، كلما جنحت الأنظمة العربية باتجاه التطبيع والمهادنة.
كاتب فلسطيني
نقلا عن رأي اليوم