د. سيدي عبد الله يكتب: معالم في الإعلان.. قراءة في إعلان السياسة العامة للحكومة

د. سيدي عبد الله محمد الامين السالك/ مستشار الوزير الأول

 لا عجب إن كان إعلان السياسة العامة للحكومة موضوع الوقت تحليلا وإشادة وانتقادا، ولا غرابة كذلك إن تعددت زوايا تناوله إيجابا فحملت على التناول المتحامل؛ وهو ما يجعلني أتناول المعاني العامة التي تشكل معالم بارزة في إعلان السياسة العامة للحكومة وترد على المتحاملين دون دخول في التفاصيل.

➢ المعلمة الأولى: الانسجام حد التماهي

لا يختلف اثنان أن إعلان السياسة العامة للحكومة الذي تقدم به معالي الوزير الأول المختار ولد اجاي وبرنامج "طموحي للوطن" الذي كان برنامج صاحب الفخامة محمد ولد الشيخ الغزواني لمأموريته الثانية خرجا من مشكاة واحدة تفكيرا وتصورا وشواهد ذلك كثيرة لاتخطؤها العين منها على سبيل التمثيل:

- السبك اللغوي والبناء التفكيري، حيث شكل كل منهما وحدة مترابطة لا حشو فيها ولا تكرار تعبر عن المستوى المعرفي والقدرة على صياغة الأفكار واستبطان تحويلها إلى أهداف لخطط تشغيلية.

- وضوح التصور؛ حيث تكون الكتابة تعبيرا عن أفكار أنضجها التمحيص وصوبتها التجارب.

- التضمين والتفصيل؛ لقد كان الإعلان العام لسياسة الحكومة تفصيلا يتغيى إنزال طموح صاحب الفخامة إلى أفكار قابلة للتنفيذ، حيث كان الإعلان متضمن الأفكار والتصورات في الطموح.

- هيكلة قطاعية مستبطنة؛ وفق الأولويات التي حدد صاحب الفخامة رئيس الجمهورية في برنامجه الانتخابي "طموحي للوطن" جاء إعلان السياسة العامة للحكومة لينزل المهام وفق هيكلته الوزارية التي أعلن عنها قبل نحو شهر من الآن مما يعني أن التنسيق بين القطاعات وألويتي التمكين للشباب والتكوين المهني المفضي إلى خلق فرص العمل بتوفير اليد العاملة الوطنية وتذليل صعبات التصنيع كان مخططا له ولم يأت بداع التنويع والتجديد فقط. 

- دلالة الترتيب؛ لقد كان البناء في النصين ذا دلالة ولم يكن اعتباطيا، إذ قدم الأهم فالمهم كما طرحا التحديات والمشاكل ورتبا عليها الحلول وتصوراتها.

- التراكمية والاستمرار؛ لقد صرح صاحب المعالي الوزير الأول المختار ولد اجاي في إعلان السياسة العامة للحكومة؛ أنه يبني على ما تحقق في المأمورية الأولى لصاحب الفخامة رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني معتبرا أنه اللبنة الأهم في صرح بناء الوطن، كما أنه اعترف للسابقين بجهودهم الإيجابية في البناءوهو في ذلك تبع لتصريح صاحب الفخامة رئيس الجمهورية الذي قال في خطاب ترشحه للمأمورية الأولى - في حديثه عمن سبقه في حكم البلاد - ما نصه ( ما يجب الاعتراف به هو أن كلا منهم وضع لبنة ما بحجم ما لتشييد هذا الصرح الذي لا ينتهي العمل فيه...)

- الأناة والاستيعاب؛ لقد شكل البعد الأخلاقي أهم روافد المقبولية عموما ولقد كانت سمة الأناة في اتخاذ القرارات والتأكد من الجدوائية، واستيعاب الطرح المناوئ والتعسف في الخصومة حد الفجور أبرز تلك الأخلاق التي هي سنة متبعة ومنهج في الحكم مجرب بنتائجه المحمودة العواقب.            

➢ المعلمة الثانية: الشمول والواقعية

لقد تميز إعلان السياسة العامة للحكومة الذي قدمه معالي الوزير الأول المختار ولد اجاي أمام البرلمان بالشمولية في التناول حيث تناول الاهتمامات الكبرى للساسة والمهتمين بالشأن العام من جميع الأطياف فلم يحيروا عليه تعليقا بالنقص أو التجاهل، فقد تناول القضايا الكبرى التي تمس وحدة الوطن وترميم الشروخ واستكمال نواقص التأسيس، ولم يهمل النواقض التي تعرقل التقدم كالفساد والتفاوت العرقي واللوني والطبقي والاتكالية وتمجيد الكسل، فحدد المجالات وأعلن الحرب المتبصرة واستنجد بالظهير القانوني والشعبي، وفي ترتيبه لأولويات الحرب خلال رده الاستيعابي على السادة نواب الشعب قال معالي الوزير الأول "إن النجاح في الحرب على الفساد مؤذن بكسب رهانات حروب التنمية وتغيير العقليات، وأن مواجهته ضرورة وقناعة وإرادة وقرار". 

وكما وجد فيه أولئك ضالتهم، وجدت النقابات العمالية والمدافعون عن حقوق الإنسان في إعلان السياسة العامة للحكومة ذواتهم حيث شخص الإشكالات واقترح الحلول وحدد الآجال.

ولم يترك لمطالب تحسين الخدمات الأساسية والثانوية مجالا – إلا التأييد – حيث أعلن الخروج عن المألوف في مجتمعات الصحة والتعليم وآليات لحل ضعف خدمات الكهرباء والماءفي البعدين المتوسط والإستراتيجي، وعرج الإعلان على الرؤية المتبعة في حل جملة من الخدمات الأخرى؛ كتغطية شبكات الاتصالات وغيرها.

لقد أكسبت المصداقية في التناول والصدقية في التشخيص ووضوح الرؤية في العلاج والمرحلية في الترميم والبناء؛إعلان السياسة العامة للحكومة واقعية أبعدته عن المثالية الحالمة والمغالطات المفرطة، ففرض بذلك احترامه على الكل وتعلقت به الآمال وخلق جوا من الأريحية لدى المنصفين، وبحثت السهام عن مداخل أعوزها التسديد وجانبها التوفيق فحزت في غير مفصل ونكبت طريق المصلحة.

فما تعوده الموريتانيون من الوعود غير القابلة للتحقق وخلب الالتزامات غير المرتبطة بآليات وآجال للتنفيذ جعل إعلان السياسة العامة للحكومة هذه المرة ذا طابع مميز يستحق الحديث والكتابة عنه.

➢ المعلمة الثالثة: الموضوعية 

رغم أن إعلان السياسة العامة للحكومة مترابط الحلاقة مهم في ديباجته وبسطه وخاتمته إلا أن التركيز على البدء بمصدر السلطات والاحتكام إليه وقبول قراراته، وربط التحديات بالمحاور الخمسة الأساسية لبرنامج صاحب الفخامة "طموحي للوطن" وما يمثله من ارتباط بأهداف الألفية للتنمية المستدامة يمثل خير دلالة على موضوعية الإعلان وانسجامه مع تفكير وطموح صاحب الفخامة الذي ارتبط بدوره بأهداف التنمية ذات البعد الدولي والتي يحقق الانسجام معها ميزة تليق ببلد يتولى رئيسه رئاسة الاتحاد الإفريقي، واستطاع بتسييره الفعال الخروج بالبلد من عواصف الجوائح والحروب في حين عصفت ببلدان وزعزعت آخرين لسنا بأفضل منهم حالا.

إن "الخيار الأمن" والتركيز عليه، مع التقدم المدروس في مسارات التنمية والرخاء المجتمعي والرفاه الاقتصادي هو الأليق والأوفق في ظل وضع دولي وإقليمي مَوٌارٍ.

➢ المعلمة الرابعة: الاهتمام الشعبي والتغطية الإعلامية

لقد حظي إعلان السياسة العامة للحكومة الذي قدمه معالي الوزير الأول المختار ولد اجاي أمام البرلمان - وناقشه؛ بل كانت جلسة نقاشه على الأصح يوم السبت07 / 09 / 2024 - باهتمام نخبوي وإعلامي بل وشعبي متميز حيث كان مادة مئات التدوينات والتصاميم والاقتباسات وكتبت عنه مقالات رأي وكان مادة خبرية في المواقع والصحف وعنوان ندوات وخرجات في التلفزيونات والإذاعات وحلقات البودكاست، ووجد الإعلام الحديث "السوشيل ميديا" فرصته لتحقيق زيادة نسب المشاهدات، وكان التلقي بالقبول السمة الغالبة والرأي المسيطر فامتاحت منه دلاء المحللين وأعجب به لدى سبره الناقدون وأحيا أمل إعادة البناء ومواصلة التراكم الإيجابي لدى الجادين في بناء دولة القانون والمؤسسات الخادمة للمواطن لا المخدومة منه.    

➢ المعلمة الخامسة: وجهات النظر من الإعلان

لقد أتيحت لي الفرصة أن تابعت وبشكل مباشر مداخلات السادة نواب الشعب والتقيت ببعضهم في أحاديث ثنائية ويمكنني القول إنها تمثل بحق الانقسام الحاصل على إعلان السياسة العامة للحكومة من خلال متابعتي للزخم الإعلامي الذي حظي به بين العرض والمناقشة وأستطيع فرزها إلى زمرتين باعتبار نتائج التصويت على منح الثقة:

- غالبية مطلقة قرأت الإعلان أو استمعت إليه وقيمته أو اعتمدت في تقييمها على التواتر أو الموثوقية وفق المعايير الموضوعية والمنصفة للتقييم وانطلاقا من كونه إعلان سياسة وحاكمته على شموله وموضوعيته وقابلية التحقق فيه ومدى انسجامه مع برنامج فخامة رئيس الجمهورية "طموحي للوطن" فبعث لديها الأمل فأيدته ورأت فيه أفضل الممكن فصوتت له عبر ممثليها في البرلمان، ودافعت عنه نخبتها في المنتديات والإعلام.

- أقلية هي في رفضه مذهبان؛ مذهب اختار التذكير بالنواقص ومواطن الإخفاق حسب تقديره في المأمورية الأولى وجنح إلى التشهير والخروج عن السياق العام لأغراض قد يكون منها الاستعطاف واستغفال المستمعين أو تسجيل مواقف شخصية لحسابات عامة أو خاصة، ومذهب عدمي لا يعجبه العجب ولا الصيام في رجب – كما يقال- فركز على شخصنة الحديث والتجريح وشط في الحديث والتعليق وخرج عن السياق ولم يحترم الأعراف والنظم الداخلية، ويجمع المذهبان أنهما:

❖ لم يفرقا بين الإعلان والحصيلة 

❖ لم يناقشا نص الإعلان نقاشا وفق معايير كتوضيح جوانب النقص والقصور فيه أو إطلاق الوعود دون آليات وآجل التنفيذ أو...

❖ لم يقدما في نقاط الانتقاد التي ركزوا عليها معطيات وأرقاما، بل لم يتوخوا الدقة في بعضها.

وفي انتظار تقديم صاحب المعالي لبرنامج حكومته مطلع العام القادم إن كان في العمر بقية سيعيش الموريتانيون أملا في التغيير إلى الأفضل سيتعزز بإذن الله بنسبة الإنجاز في برنامج الأشهر المتبقية من العام 2024  

مستشار الوزير الأول / سيدي عبد الله محمد الأمين السالك

 

أحد, 08/09/2024 - 18:18