رصاص يخشاه الاحتلال

مكتوب على جدار مقام أمام مدرسة التحدي (10)، وهي بناء قديم في "ابزيق" شمال شرق طوباس، فيها ثلاث غرف صفية، ومطبخ، وأضيف لها قبل شهرين تقريبا بعض المرافق، والغرف الإدارية والصفية، جملة: "الرصاص في أقلامنا.. أقوى من رصاص بنادقهم".وكان ما كُتب على جدار المدرسة التي افتتحت مطلع هذا العام، يعكس تماما ما حدث لها خلال ساعات الدوام هذا اليوم. صباح اليوم، اقتحمت قوات الاحتلال المنطقة، وأغلقت كل الطرق المؤدية إليها، وفككت خيمة تعليمية (50) م2 تابعة للمدرسة، واستولت عليها، كان يُستخدم نصفها غرفة للمعلمين والمدير، والنصف الآخر لطلبة المدرسة.

وهذه ليست المرة الأولى. فقبل ما يقارب الشهر تقريبا، فككت قوة احتلالية "كرفانين" تابعين للمدرسة المقامة على قمة جبل متوسط، واستولت عليهما.

غير أن خسارة المدرسة لكرفانين اثنين في ذلك اليوم كان مؤقتا، فلم تشرق عليها شمس اليوم التالي دون وجود خيمة مكانهما، قدمتها هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، وبنيت تحت جنح الظلام.

الخيمة التي ظلت قائمة حتى صباح اليوم استخدمتها المدرسة بشقيها كغرفة صفية يتناوب عليها طلبة الغرف الصفية الثلاث، كل صف حصة واحدة، والشق الثاني أحيانا كمكان يستخدمه مدير المدرسة ومدرسوها، لمناقشة الأمور التعليمية.

ولما كان الطلبة يخرجون سابقا لتلقي دروسهم في الخيمة التي كانت مقامة مكانها، يستغل فراس دراغمة وبعض المدرسين في بعض الأوقات الغرف الصفية لهم لمناقشة الأمور الإدارية، والتعليمية لهم.

 

وخلال سنوات "صراع الوجود" كما يسميه الفلسطينيون، يعتمد أبناء شعبنا، على بناء خيام وكرفانات بدلا من منشآت بمختلف أنواعها يهدمها الاحتلال؛ بحجج هي في الغالب تتعلق بالترخيص.

ووجود الخيمة كان يعني بالنسبة للطاقم التعليمي في المكان، انتظام اليوم الدراسي بشكل طبيعي. ولكن ما حدث اليوم في منطقة "ابزيق"، المطلة نسبيا على الجبال الفاصلة بينها وبين الأغوار الشمالية، أحدث خللا في البرنامج الاعتيادي لتلك المدرسة.

فالخيمة التي استولى عليها الاحتلال، كانت تعطي مساحة كافية لدراغمة، والمعلمين في اكمال مهاهم التعليمية، كتحضير الدروس، ورصد العلامات وغيرها، في الغرف الصفية التي يتركها الطلاب أثناء تواجدهم في الخيمة.

يقول دراغمة وهو مدير المدرسة التي فيها 22 طالبا، و3 مدرسات، ومدرس، وآذن، "كان يتلقى الطلاب دروسهم في الخيمة، وكنا أحيانا نستظل نحن بداخلها".

صباحا، وفي لحظة صمت سادت الجو، باستثناء أصوات المدرسات، وبعض الطلبة وهم يتبادلون الأحاديث داخل الغرف الصفية، في إجابات تعليمية، يضرب آذن المدرسة، قضيب حديد، بمجسم حديدي دائري معلنا نهاية الحصة الثانية.

وعندما بدأت المدرسات بالتبديل بينهن لتذهب كل واحدة منهن لإعطاء حصتها، قالت ابتسام دراغمة، وهي مدرسة مادة رياضيات: أبحث عن الهدوء في رصد علامات الطلبة، عندما يخرج الطلبة لتلقي دروسهم في الخيمة كنت أجلس مكانهم في المكان الهادئ.

 

"لكن اليوم لم يحدث ذلك". تضيف.

مرة أخرى، وبعد أقل من ساعة، وهي المدة المقررة للحصة الدراسية، تقرع إحدى المدرسات جرس انتهاء الحصة الثالثة، وهي نهاية النصف الأول من اليوم التدريسي.

وفي ذلك الوقت كانت الشمس قد ارتفعت قليلا، وبهذا باتت تعطي نوعا من الدفء في المكان، فتح المجال أمام الطلبة بالتوافد إلى الساحة الأمامية للمدرسة، للهو، وتناول وجبة الفطور.

وهنا اختلف الوضع في المدرسة.

فعندما انتهت استراحة الطلبة، بعد دقائق، نقل بعضهم مقاعدهم التدريسية، وكراسيهم لمكان الخيمة وبدأت الحصة الرابعة فيها.

تقول رغد تركمان، وهي طالبة في الصف السادس: لم يهمنا ما حدث اليوم (..)، نحن سنظل نتعلم هنا، هم يخشون التعليم كثيرا.

ويشير طلبة من المدرسة بأيديهم إلى الجملة المكتوبة على الجدار المقام بين الغرف الصفية، ومكان اقامة الخيمة، بنوع من التحدي لما حصل، ويجمع الطلبة ذاتهم، ومن خلفهم الكادر التعليمي، ووفد من تربية طوباس، على ضرورة استمرار التعليم في المدرسة.

وفي مشهد يشي على صورة استمرار التعليم في المدرسة، والحياة فيها، يتبادل شخصان الكرة بينهما في الساحة ذاتها.

وكانت الحصة الرابعة للصفين الثالث والرابع، في مكان الخيمة المستولى عليها، وتفاعل الطلبة مع مدرستهم بشكل كبير، في درس مادة التربية الإسلامية.

تقول تركمان، وهي التي تحضر يوميا باستخدام حافلة خصصتها مديرية التربية والتعليم لنقلهم: صباحا كنا نشعر بالبرد، لكن الآن بدأ الجو بالدفء ونستطيع تلقي دروسنا مكان الخيمة.

قال دراغمة وهو الذي وجد مكانا هادئا مكان الطلبة الذين خرجوا لاستكمال يومهم الدراسي بالخارج: التعليم خط أحمر عندي، أنا أستطيع أن أكمل أعمالي في المنزل.

مدير تربية طوباس سائد قبها يقول: نثبت للعالم رغم ما حصل بأن الاحتلال يخشى الرصاص في أقلامنا.

___

ح.ح/س.ك

 

 

المضدر الاولي 

اثنين, 12/11/2018 - 17:40