نظم المركز الموريتاني للدراسات والبحوث الإنسانية "مبدأ"، مساء السبت، في العاصمة نواكشوط، ندوة فكرية بعنوان: "الانسجام الاجتماعي في موريتانيا وبناء المشترك".
شارك في الندوة عدد من الباحثين والأكاديميين لمناقشة واقع الانسجام الاجتماعي في البلاد، والوقوف على أبرز التحديات والفرص التي تحيط به.
رؤية فكرية نحو مجتمع متماسك
افتتح الندوة مسؤول الدراسات بالمركز، الدكتور أحمد جدو ولد اعليه، الذي أكد أن الهدف الأساسي من الفعالية هو تسليط الضوء على قضايا الانسجام المجتمعي في موريتانيا، عبر بناء فضاء فكري مفتوح للحوار والنقاش.
وأوضح ولد اعليه أن المركز يسعى من خلال مثل هذه المبادرات إلى المساهمة في تطوير رؤية موحدة تدعم بناء مجتمع متماسك يستفيد من تنوعه الثقافي والاجتماعي لتحقيق تطلعات جميع أفراده.
محاور متعددة ورؤى متباينة
توزعت مداخلات المشاركين في الندوة على عدة محاور رئيسية تناولت “الخطاب الشرائحي والانسجام المجتمعي”، و”قراءة تحليلية في خطابَي جول ووادان”، بالإضافة إلى “دور الإعلام في تعزيز الانسجام الوطني”، و”القيم المشتركة كأساس لتماسك المجتمع الموريتاني”.
نقد التدبير الحكومي للانسجام الاجتماعي
خلال مداخلته، قدم الدكتور عباس ابراهام نقداً صريحاً لما وصفه بـ”النهج المتجاوز” الذي اعتمدته الأنظمة السياسية في موريتانيا، خاصة في عهد الرئيسين محمد خونه ولد هيدالة ومحمد ولد الغزواني، لإدارة ملف الانسجام الاجتماعي.
واعتبر أن موريتانيا شهدت قلاقل اجتماعية وعرقية غير مسبوقة منذ عام 2019، متّهماً النظام الحالي بتبني سياسات تهدف إلى “شراء الانسجام الاجتماعي” عبر تهدئة التذمر العام بوسائل مؤقتة، مثل مشاريع “تآزر”، دون معالجة الأسباب الجذرية للتوترات المجتمعية.
الخطاب الشرائحي: بين السياسة والشعبوية
من جانبه، تطرق الدكتور مولاي أحمد جعفر إلى مفهوم “الخطاب الشرائحي”، مشيراً إلى أن العولمة ساهمت في خلق بيئة عالمية تسمح للهويات الفرعية بالتعبير عن مطالبها.
وأوضح أن هذا الخطاب في موريتانيا، وإن بدا في ظاهره اجتماعياً، فإنه في كثير من الأحيان يحمل طابعاً سياسياً وشعبوياً، وأصبح مادة للتداول الواسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
تشخيص الأسباب: مسكنات أم حلول جذرية؟
في مداخلتها، اعتبرت النائب البرلماني سعداني بنت خيطور أن الحديث عن “الخطاب الشرائحي” لا يمكن فصله عن أسباب عميقة تتجاوز الوسائل السطحية التي تُثار حولها النقاشات.
وأكدت بنت خيطور أن عدم التشخيص الدقيق لواقع الانسجام الاجتماعي يؤدي إلى حلول مؤقتة لا تعالج المشكلات من جذورها، مشيرة إلى أهمية خطابات الرئيس في المدن التاريخية، واعتبرتها خطوة تستحق الإشادة لتعزيز اللحمة الوطنية.
رؤية تاريخية لبناء المستقبل
أما الدكتور عثمان واكى، فقد شدد على أهمية استحضار التاريخ عند الحديث عن بناء المستقبل. وأوضح أن دراسة تاريخ المجتمع الموريتاني تكشف عن عناصر مشتركة أكثر بكثير مما يفرق أفراده/
وأكد أن هذه القواسم المشتركة يجب أن تكون منطلقاً لتعزيز التماسك الوطني.
دعوة لتعزيز الحوار الوطني
خرجت الندوة بجملة من التوصيات، أهمها تعزيز الحوار الوطني حول القضايا المتعلقة بالانسجام الاجتماعي، واعتماد سياسات قائمة على العدالة والإنصاف لتحقيق الاستقرار المجتمعي.
كما أكد المشاركون على ضرورة إشراك مختلف مكونات المجتمع في صياغة رؤية وطنية شاملة تأخذ بعين الاعتبار التنوع الثقافي والاجتماعي الذي تتميز به موريتانيا.
ختاماً، حملت الندوة رسالة واضحة بأن الانسجام الاجتماعي في موريتانيا قضية تحتاج إلى نقاش فكري جاد، وسياسات واعية تتجاوز الحلول المؤقتة إلى بناء مجتمع يتشارك جميع أفراده في صناعته وتوجيه مساره نحو مستقبل أكثر عدالة ووحدة.