المغرب: عصا السنوار وسبابة إبتهال..

د. طارق ليساوي

تناولت في مقال “المهندسة ابتهال نموذج مصغر لسيكولوجية الشعب المغربي الرافض للتطبيع ..” مسيرة الرباط و موقف المهندسة المغربية ابتهال.. وقد اطلعت بالصدفة على تدوينه لأحد المنتمين إلى التيار “السلفي – الوهابي- المدخلي” بالمغرب، والذي كتب على حسابه “المليوني” على “ميتا” تدوينة صادمة بكل المقاييس، استهدف فيها المهندسة ابتهال متهما إياها بدعمها لحقوق النسوية ولمجتمع “الميم” وغيرها من الاتهامات المشينة، معتبرا موقفها في اللقاء المشهود، محاولة منها الركوب على موجه غزة، بغرض نيل الشهرة وإحداث “البوز” ..بعد ان ملئت حساباتها البنكية بأموال ميكروسوفت..

السؤال المطروح هل كانت ابتهال ومن على شاكلتها من مؤثرين في عوالم الثقافة والفكر والرياضة في حاجه الى شهرة إضافية؟ وهل كان امثال اللاعب المغربي “حكيم زياش” والنجم المصري “ابو تريكة” و لائحة هؤلاء الشرفاء طويلة و لله الحمد، في حاجه للتظاهر بدعم غزه والانتفاض ضد جرائم الاحتلال لربح “لايكات” جديدة او متابعين جدد، أو نيل تصفيقات الجماهير العربية والإسلامية ، والظهور بمظهر الشجعان الأبطال الذين لا يخشون في الله لومة لائم مضحين في سبيل ذلك بالمال والمنصب والشهرة و عمادة منتخب كروي يحتل المرتبة 14 عالميا، في بلد يحتل المرتبة 120 في مؤشر التنمية البشرية من اصل 189 بلد شملهم تقرير التنمية البشرية 2023/2024 الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي…!!المهم لنترك التنمية و المؤشر جانبا فهذا ليس محور نقاشنا في هذه السطور ، و نضرب لكم موعدا مع برنامج ” إقتصاد ×سياسة” الذي يحاول التركيز على العلاقة الجدلية بين الاقتصاد و السياسة ..

  • منطق بائس

محور نقاشنا المنطق البائس الذي يتبناه بعض المنتسبين زورا و بهتانا إلى السلفية والسلف منهم براء ، بعض هؤلاء يتبنون منطق مقلوب لا يختلف في جوهره و منطقه عن فلسفة وممارسات محاكم التفتيش في القرون الوسطى لأروبا الكاثوليكية، و ايضا محاكم التفتيش في إسبانيا بعد سقوط الاندلس ..والتي تبحث في ضمائر وصدور المستهدفين والمتابعين..

  • شهرة “العورات”

 فأي عقيدة أو اخلاق هذه التي تجعل أمثال هذا الذي بنى شهرته و قاعدته الجماهيرية على تتبع – و اعتذر سلفا للقراء الافاضل – على تصوير مؤخرات النساء في الشوارع خفيه دون علمهم، ونشرها على العموم بدعوى نشر الفضيلة ومحاربة الرذيلة وأي رذيلة اكبر من هتك ستر الناس كل الناس، و نشر عوراتهم للعالم تسفيها وقذفا وتنقيصا وتحقيرا لهم بناءا على لباسهم او مظهرهم الخارجي..!!

  • المظاهر تخدع

فكم من إمراة غير متحجبة أخلاقها تفوق بكثير بعض المنقبات، فالشكل و المظهر لا يعبر بالضرورة عن الجوهر و صدق من قال :

‏ للناس ظاهر والمظاهر تخدع ..

فلا تحكمن بالذي ترى وتسمع

فرُب ذو شهرة تلقاه وحيداً ..

 ورب بسيط من صحب لا يُقطع

ورُب باك ودمعه مزيف ..

ورب باسم وقلبه يدمع

ورُب غني تعيس بماله ..

ورب فقير باللقمة يستمتع

عاشر الناس لتدرك أصلها ..

 فحقيقة المرء بالعشرة تسطع ..

  • عقدة العقد

فمن احترف نقل فضائح الناس الجنسية وعرواتهم، يجب أن يعرض نفسه على أقرب طبيب نفسي لعلاجه من نواقصه، و عرض نفسه على علماء ربانيين لا علماء التيك توك ، حتى يدرك خطورة فهمه المغلوط و المنحرف لمنطق الإصلاح وفلسفة الدعوة ومعنى الفضيلة..

والأكيد أن عقدة هؤلاء الذين استطاعوا في غفلة من الناس والزمن جمع مئات من الالاف من المشتركين والمتابعين، رغم ضحالة معرفتهم وتفاهة محتواهم وصبيانية منشوراتهم و مداخلاتهم، هي ـ عقدة ـ خشيتهم من وجود منافسين حقيقيين قادرين على سحب البساط من تحت اقدامهم، ودعوة مشتركيهم الى استبدال الخبيث بالطيب.. هؤلاء الذين قال فيهم الله تعالى في محكم كتابه : ﴿ وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ۖ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ ( البقرة – 109)..فالموضوع وما فيه لا يتجاوز الحسد وميكانيزمات اشتغاله، هذا الحسد الموروث منذ ان امتنع ابليس لعنه الله عن السجود لادم عليه السلام معتبرا ان محتواه الناري أفضل و أرقى من محتوى أدم الطيني..!!

هؤلاء لم و لن نتهمهم بأنهم “كفروا بالله” ، فذلك شـأن لست أهلا له و لا علم لي به، و نتورع عن ان نتهم أحدا بالكفر..و لا طاقة لنا بحمل وزر هذا الاتهام الخطير الذي لا يطلع به إلا رب العالمين .. و لكن ما أريد قوله و أعلم جيدا ما أقوله، أنهم ” كفروا ” بالمحتوى المقاوم والهادف و تصدوا بعنف لانخراط النساء والأطفال في دين المقاومة ويعملون الأن على رد الناس بكل ما استطاعوا من قوة واساليب خبيثة و شيطانية على رد الناس عن الانخراط في هذا الدين والعمل بجهد منقطع النظير على إخراجهم منه، بدعوى أنهم غير مؤهلين كأطفال وكنساء وكعوام للذهاب في ركب شأن حصري على بعض الذكور ..

  • المعارك القادمة

إنني أقر في هذه السطور بأن المعارك القادمة ذات الصلة بحقوق الشعوب المستضعفة، ستقودها النساء والأطفال و قلة من الرجال حقا و حقيقة، لأن الكثير من ذكور أمتنا باعوا للأسف الجمل بما حمل، وفي مقدمة هؤلاء من وصفوا أنفسهم زورا بأتباع السلف والسلف منهم براء، اللهم إن كان سلفهم مسيلمة الكذاب و عبد اله بن ابي بن سلول و أبو جهل و غيرهم كثير..أما الصحابة و التابعين و السلف الأمة الصالح فهم براء من رويبضات زماننا الذين ينعقون بلا ما لا يفقهون..

 فان يخرج من ينتقد حماس والمقاومة ومن يسير في ركبهم بدعوى أنهم عرضوا غزه للتهلكة، أو أنهم أرادوا أن يحقق مكاسب ما، والواقع أنهم يحرفون ويزورون الحقائق والوقائع، فرجال المقاومة قدموا أنفسهم قرابينا للقضية الفلسطينية وضحوا بالغالي والنفيس نصره لحق الشعب الفلسطيني عامة والغزاوي خاصة، فهذا السنوار رحمه الله، و الذي قيل فيه ما لم يقله مالك في الخمر، قاتل للرمق الأخير بعصاه، ونفس الأمر يسري على الضيف وغيرهم من الرجال والنساء والأطفال..

  • نموذج للسلف الصالح

فالمقاومة قدمت النموذج العملي للتضحية في سبيل الله، وقدمت أفضل صورة للسلف الصالح ولحقيقة الاسلام وقيمه و مبادئه الصحيحة و السليمة، وبصمت بالعشرة على انها الطائفة المنصورة التي أخبرنا بها نبي الإسلام عليه الصلاة و السلام، فإتباع النبي و سنته الطاهرة لا يكون بإطلاق اللحية أو تقصير الثوب، و إنما بإتباع تعاليمه و التمييز بين الفرض و السنة و الحاجي و الكمالي ، و الابتعاد عن تجريح المجاهدين و المقاومين فرض عين على كل مسلم و مسلمة، بل لا يمكن لعالم رباني ان يقذف أعراض المحصنات و يعيب على المقاومة و أهلها مواجهتهم للمحتل و للغاصب للأرض و العرض و للمقدسات ..

  • سطور من ذهب

فـأن تحتفي بك المقاومة وحركه حماس بجلال قدرها، وأن تسطر بشأنك سطرا من ذهب، وان تشهد لك بالجرأة والشجاعة والنبل والمروءة، فهذا يكفي للجم ألسنة السوء التي وجهت لهذه البطلة المغربية، التي رفع المغاربة بدورهم في مسيره الرباط صورها فوق اكتافهم ، ورددوا اسمها في قلب عاصمهة الرباط ..

ابتهال الفتاة والمرأة الحرة العالمة والمحتشمة والمسلمة، التي بلغت فضلا من الله إلى سدة اكبر الشركات العلمية والمالية والتكنولوجيا وحذرت العالمين من مغبة توظيف العلوم والتكنولوجيا في جلب الشرور..

  • علماء و علماء

ألم يكن إبليس عليه اللعنة عالما ربانيا ؟ ألم يكن “اينشتاين” عالما نوويا ؟ ألم يكن “نوبل” عالما مفجرا للديناميت ؟ لكن المنحى التي سارت فيه علومهم السامقة من حيث الجوهر، جلب الويلات على الإنسانية جمعاء، وأخرهم أي “نوبل” حاول التكفير عن إكتشافاته مخترعاته العلمية، بإحداث جائزه علمية ومالية لكل عالم يسخر علمه لخدمة للإنسانية و إعلاء شأن السلم ..

  • الذكاء الاصطناعي

واليوم يشكل الذكاء الاصطناعي حديث القاصي والداني، وربما يكون هو خاتمة علوم العالمين، وقد يكون فاتحة خير وقد يكون أيضا بمثابة صندوق باندورا الأسود الذي سينفث شروره ذات يوم في وجهه العالمين..

ما قامت به المهندسة ابتهال لا يخص فقط القضية الفلسطينية ومأساة غزة، وانما يخص الامة الإنسانية جمعاء المهددة اليوم بعواقب الذكاء الاصطناعي أكثر مما كانت مهددة بالخطر النووي..

وعلى شعوب العالم اليوم ان تتوحد وتتكاثف و تتكاتل جهودها من اجل فرملة هذا الاندفاع الجنوني المنذر بتشيئ الانسان وتأليه الألة ..هذه الألة التي تطحن اليوم أهل غزة بلا رحمة ولا شفقة، ستدير فوهة مدفعيتها نحو بقية شعوب الأرض في غضون بضع سنوات ..غزه اليوم تدق ناقوس الخطر باسم العلم والتقدم التكنولوجي، وترفع عصا السنوار في وجه مسيرة أبرهة الأشقر، كما رفعت ابتهال سبابتها في وجه خوارزميات “مصطفى سليمان” الذي باع نفسه للشيطان وانخرط في دين الدجال …و الله غالب على أمره و لكن أكثر الناس لا يعلمون ..

كاتب و أستاذ جامعي من المغرب.

نقلا عن رأي اليوم

ثلاثاء, 08/04/2025 - 15:51