في أعقاب الهجوم الإرهابي الدموي في ولاية جامو وكشمير، والذي أودى بحياة عدد من السياح الهنود الأبرياء، عادت العلاقات بين الهند وباكستان إلى واجهة التصعيد، ولكن هذه المرة، بشكل غير مسبوق.
فقد اتهمت نيودلهي بشكل مباشر إسلام آباد بالوقوف خلف العملية الإرهابية أو على الأقل بالتقاعس عن ردع الجماعات المسلحة التي تنشط في المناطق الحدودية.,جماعة تطلق على نفسها جبهة المقاومة قد اعلنت مسؤوليتها عن الهجوم وتقول الهند بأنها تابعة لجماعة عسكر طيبة المصنفة إرهابية من قبل الامم المتحدة وتتخذ من باكستان مقرا” لها على الرغم من رفض باكستان للاتهامات الهندية . وصرّح رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بأن الرد هذه المرة سيكون “صاعقًا”، ويفوق في حجمه وشكله الردّ الذي أعقب ضربة بالاكوت عام 2019، عندما استهدفت الهند مواقع قالت إنها معسكرات لتدريب الانفصاليين في عمق الأراضي الباكستانية.
إجراءات غير مسبوقة
الهند لم تنتظر طويلًا، فقد بدأت بتنفيذ سلسلة من الخطوات التصعيدية غير التقليدية:
- تخفيض عدد الدبلوماسيين الباكستانيين في الهند.
- طرد الملحقين العسكريين الباكستانيين من السفارة.
- إلغاء تأشيرات الدخول للمواطنين الباكستانيين، بمن فيهم المرضى والطلبة.
- والأخطر: إلغاء العمل باتفاقية تقاسم مياه نهر السند الموقعة عام 1960، والتي صمدت رغم ثلاث حروب اندلعت بين البلدين.
إلغاء الاتفاقية يُعد كسراً لأحد المحرّمات الجيوسياسية في العلاقات الهندية-الباكستانية، ويعني عمليًا تهديدًا مباشرًا للأمن المائي الباكستاني الذي يعتمد على نهر السند كمصدر حيوي للحياة والزراعة والصناعة.
تحركات عسكرية مقلقة
وسط هذا التصعيد، رُصدت تحركات عسكرية لأسطول البحرية الهندي بالقرب من السواحل الباكستانية، وبحسب مصادر عسكرية، فإن الهند تُخطط لتعطيل نشاط ميناء كراتشي، أحد أهم الشرايين الاقتصادية لباكستان، والذي يدرّ عليها ما يقرب من 100 مليار دولار سنويًا.
هذا النوع من التحرك العسكري يُشير إلى أن الهند تفكر بردّ شامل لا يقتصر على أهداف تكتيكية، بل قد يمتد ليشمل بنى تحتية استراتيجية، ما يعني تجاوز الخطوط الحمراء التقليدية.
شبح الحرب النووية… يلوح من جديد
هذا التصعيد يعيد إلى الأذهان شبح الحرب النووية الذي يخيم باستمرار على جنوب آسيا. فالهند وباكستان، دولتان نوويتان، وكلّ تصعيد غير محسوب قد يتحول إلى كارثة إقليمية ذات تداعيات عالمية، تهدد الأمن والاستقرار العالميين . وإذا أقدمت الهند على خطوة عسكرية واسعة، فإن الرد الباكستاني شبه مضمون، ما قد يُشعل فتيل حرب لا يمكن لأحد التنبؤ بمآلاتها.
أبعاد دولية للمشهد
التطورات الأخيرة تزامنت مع زيارة نائب الرئيس الأمريكي للهند، ما يُعطي أبعادًا دولية للموقف، كما قطع رئيس الوزراء الهندي زيارته الرسمية إلى السعودية وعاد بشكل عاجل لمتابعة المستجدات، في إشارة إلى أن الأمور تتجاوز مجرد حادث إرهابي إلى تحول استراتيجي في العلاقة بين القوتين النوويتين.
هل اقتربت المواجهة؟
رغم أن طبول الحرب لم تُقرع رسميًا بعد، فإن الضربات على الطبول بدأت تُدوّي في الأفق السياسي والعسكري والإعلامي. وتبقى الساعات والأيام المقبلة حاسمة، إما لاحتواء الأزمة عبر ضغوط دبلوماسية دولية مكثفة، أو لانزلاق المنطقة إلى أحد أخطر السيناريوهات منذ تقسيم شبه القارة الهندية.
سياق محفوف بالخطر
التصعيد الحالي ليس الأول من نوعه، لكنه يأتي في وقت حساس داخليًا لكلا البلدين: الهند مقبلة على استحقاقات سياسية حساسة، وباكستان تعاني من أزمة اقتصادية خانقة قد تُستغل لصرف الأنظار نحو “عدو خارجي”. هذا النوع من التصعيد السياسي-العسكري لا يخلو من المخاطر، خصوصًا إذا ما أُخذ في الحسبان الطبيعة المعقدة للنزاع حول كشمير.
منذ تقسيم شبه القارة الهندية في عام 1947، ظلت العلاقات بين الهند وباكستان مشوبة بالتوتر، خاصة بسبب النزاع المستمر حول إقليم كشمير. وبينما خاض البلدان ثلاث حروب كبرى ومناوشات عسكرية متكررة، إلا أن طبول الحرب الشاملة لم تُقرع في السنوات الأخيرة، رغم بعض المواقف التي كادت أن تُشعل فتيل المواجهة.
احتمالات الرد العسكري
بحسب تسريبات من مصادر عسكرية وإعلامية قريبة من القرار الهندي، فإن الرد قد يشمل ضربات جوية محددة على معسكرات تتهمها نيودلهي بأنها قواعد انطلاق للمنفذين، أو حتى عمليات نوعية عبر الحدود. لكن كل رد من هذا النوع قد يُقابل برد مضاد، لتدخل المنطقة في دوامة من التصعيد المتبادل.
الردع النووي… هل يظل فاعلًا؟
لطالما اعتمد البلدان على توازن الرعب النووي لتفادي الحرب الشاملة. لكن الخطر الحقيقي يكمن في خطأ في التقدير، أو تصعيد غير محسوب، قد يجعل السلاح النووي من تهديد نظري إلى واقع كارثي. أي مواجهة واسعة النطاق بين الهند وباكستان، الدولتين النوويتين، قد لا تبقى محصورة في الإقليم، بل ستكون لها تداعيات عالمية مدمّرة.
دور المجتمع الدولي
الولايات المتحدة، الصين، وروسيا، إلى جانب الأمم المتحدة، تجد نفسها مجددًا أمام تحدٍّ دبلوماسي ملحّ. على هذه القوى التحرك سريعًا لنزع فتيل الأزمة، وفتح قنوات اتصال مباشرة بين نيودلهي وإسلام آباد. بالرهان على التهدئة لا يمكن أن يُترك للوقت وحده، خصوصًا في ظل ضغط الشارع والغضب الإعلامي المتبادل.
الكلفة الاقتصادية والسياسية للحرب
الهند وباكستان تعانيان من تحديات اقتصادية داخلية، بدءًا من الفقر والبطالة، وصولًا إلى الفجوات في البنى التحتية والتعليم. الدخول في حرب واسعة يستنزف الموارد، ويعرّض الحكومات إلى انتقادات داخلية وخارجية. ومن هنا، تفضّل النخب السياسية في كلا البلدين التصعيد الكلامي، أو حتى المناوشات المحدودة، على الانزلاق إلى صراع شامل.
وسائل بديلة للصراع
رغم عدم اندلاع حرب شاملة، إلا أن الصراع لا يزال قائمًا، ولكن بوسائل أخرى: الحرب السيبرانية، استخدام الجماعات الوكيلة، والحملات الإعلامية المتبادلة. كل هذه الطرق تعكس استمرار التنافس، ولكن دون الوصول إلى حافة الهاوية العسكرية.
لم تُقرع طبول الحرب بين الهند وباكستان، لا لأن الخصومة زالت، بل لأن حسابات الردع، والمصالح الداخلية والخارجية، فرضت عقلانية باردة في مواجهة العاطفة القومية الساخنة. وربما يكون هذا “السلم المرهون بالخوف” هو السبيل الوحيد لتجنب كارثة لا تبقي ولا تذر.
بين الرد والهاوية
في ظل الغضب الشعبي الهندي، والإدانات الدولية للهجوم، يبدو أن القادة الهنود يقفون أمام مفترق طرق: هل يغامرون بخطوة قد تشعل فتيل حرب لا يمكن التحكم بمآلاتها؟ أم أنهم يكتفون برد رمزي يُحافظ على ماء الوجه دون أن يزلزل المنطقة؟
إن اللحظة الراهنة لا تتطلب فقط قرارات حاسمة، بل حكمة تاريخية تحول دون انزلاق جنوب آسيا إلى نيران لا تطفئها سوى الكارثة.
كاتب صحفي سوري مقيم في الهند
نقلا عن رأي اليوم