لماذا يفضل أن تظل بعض الأسئلة دون إجابة؟

كان تقدم العلم من خلال التجربة والشك، لذلك فإن وضع قواعد محددة لكل شيء هو بمثابة وضع قيود تعرقل الوصول للأهداف المنشودة.

هناك بعض الأسئلة التي من الأفضل ألا يسعى الإنسان للإجابة عليها، ذلك أن معرفة الأجوبة المتعلقة بكل الأمور المحيرة قد تؤدي إلى القضاء على ميزة الفضول في الإنسان، وتمنعه من التقدم والتطور.

هذا ما يراه الكاتب دينيس أوفيرباي في مقاله الذي نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، حيث نقل عن عالم الفيزياء الفلكية الشهير جيم بيبلز قوله إنه في حال عُرضت عليه لوحة مصنوعة من الحجر تتضمن جميع الإجابات التي من شأنها فك أسرار هذا الكون، بما في ذلك عمر هذا الكون ومصيره، فإنه سيتخلص منها على الفور.

وبحسب بيبلز فإن المتعة تكمن في محاولة سبر أغوار تلك الأسرار المخفية وفكها. ومن هذا المنطلق، فإن الحصول على إجابات لبعض الأسئلة من قبيل هل سيتسبب الثقب الأسود في نهاية العالم؟ أين تذهب الجوارب المفقودة؟ أو هل الكائنات الفضائية موجودة حقا؟ من شأنها أن تقتل في البشر العديد من الإمكانيات المثيرة.

أسرار العلم
وربما من الأفضل عدم معرفة الأسرار التي لا تزال مخبأة في جعبة العلم والتطور، لأن المعرفة العميقة تعني بالضرورة ارتكاب الأخطاء. وفي حال كان الإنسان ملمّا بكل تفاصيل الألغاز التي يزخر بها هذا الكون، فإنه من المرجح أن يحاول التدخل في السير الطبيعي للأمور.

وبناء على ذلك، هناك احتمال كبير أن يفسد الإنسان هذا التطور، نظرا لافتقاره للذكاء الخارق، بالإضافة إلى كونه غير خلاّق مثل الطبيعة. فمعرفة مصير هذا الكون يشبه تماما معرفة مستقبل البورصة، وعندما تكون على علم بكل ما يحيط بك، فإن احتمال ارتكابك للأخطاء الفادحة سيزيد بشكل كبير.
المتعة تكمن في محاولة سبر أغوار الأسرار المخفية وفكها. ومن هذا المنطلق، فإن الحصول على إجابات لبعض الأسئلة من شأنها أن تقتل في البشر العديد من الإمكانيات المثيرة.

ويعترف دينيس أوفيرباي بأنه لا يصدق كل ما يقوله العلم فيما يتعلق بالأطعمة التي يجب عليه أن يتناولها. فهو لا يحتاج إلى معرفة عدد السعرات الحرارية الموجودة في بعض الأطباق المفضلة لديه، لأن هذا الأمر سينغص عليه المتعة الحقيقية التي يشعر بها مثلا عندما يتناول الشوكولاتة والبرغر.

اللافت أن أوفيرباي عبر عن أمله في أن يفشل العلم في اكتشاف آلية السفر عبر الزمن، لأن هذا الاكتشاف الكبير سينتج عنه رغبة شديدة في العودة لمحاولة تغيير نصاب بعض الأمور وإصلاحها، وقد يكون ذلك مدمرا، فأي عثرة أو خطوة خاطئة يتخذها أي شخص محب للخيال العلمي سيؤدي بالإنسانية إلى الوقوع في هاوية وتجعلها تعاني من دكتاتورية مشابهة للحقبة النازية أو حتى أسوأ، بحسب رأيه.
إن اكتشاف الإنسان لوجود كائنات فضائية وتخيّل ما تنوي فعله به كفيل بإبقاء العلماء مشغولين لاكتشاف مخططات هذه الكائنات لقرون عدة

حقيقة الذكاء
كما لا يرغب أوفيرباي في معرفة حقيقة جينات الذكاء، التي يوجد عدد كبير منها ولكن لن يتمكن العلم من معرفة طرق عملها. فقد أثبتت الدراسات أن هناك معايير مختلفة لتقييم مستوى الذكاء لدى الأشخاص، لذلك يختلف مستوى الذكاء من شخص إلى آخر.

بل إنه يتمنى فشل العلماء في اكتشاف ما حصل لشعوب الحضارات القديمة التي اندثرت مع مرور الزمن، مرجعا السبب وراء رغبته الغريبة هذه في أن أي شعور بالثقة يتملك الإنسان عند نجاحه في سبر أغوار سر ما في الطبيعة يقتل لديه الشعور بالفضول ويمنعه بالتالي من التقدم، وفق رأيه.

وبعيدا عن الأرض، لا يرغب أوفيرباي في معرفة فحوى أي رسالة قد تكون متأتية من حضارة من خارج الكوكب، فاكتشاف الإنسان لوجود كائنات فضائية وتخيّل ما تنوي فعله به كفيل بإبقاء العلماء مشغولين لاكتشاف مخططات هذه الكائنات لقرون عدة.

المصدر : نيويورك تايمز

أربعاء, 28/11/2018 - 13:19