من شارع الوكالة وسط مخيم طولكرم، سار ظهر الاثنين الشهيد محمد حبالي المعروف بلقب "زعتر" قاصدا مكان عمله، ومنه عاد محمولا على أكتاف رفاقه على وقع أغنية الشهداء "رجع الخي يا عين لا تدمعي.. فوق أكتاف رفاقه ومحبينه".
استشهد "زعتر" الذي يعاني إعاقتين، جسدية وذهنية، بعد إصابته برصاصة حية في رأسه فقتلته فورا أثناء اقتحام جنود الاحتلال مدينة طولكرم شمالي الضفة الغربية، ليتزامن استشهاده مع اليوم العالمي لذوي الإعاقة.
برجلين مثقلتين بالوجع والمرض، انطلق زعتر (22 عاما) من منزله صوب مقهى عام بالمدينة، قاصدا عملا يغنيه سؤال الناس ويحفظ به كرامته، وبات هناك كعادته، فمنزله حيث حل وارتحل، يفترش الأرض ويلتحف السماء.
في رواية شهود عيان وما وثقته كاميرات المحال التجارية، يظهر زعتر وهو تائه وسط مجموعة من الشبان قرروا التصدي لاقتحام الجنود وتنغيص نشاطهم الأمني الذي اشتد وقعه في الآونة الأخيرة.
وكعادته حمل زعتر عصاه الخشبية التي يستعملها كعكاز وصار يطوف بين رفاقه، وكأنه يشعر بالأمان بينهم، وأن الجنود الذين يرقبونه بأعينهم من أمتار قليلة لن يصلوا إليه.
قتل عمد
في حديثه للجزيرة نت يقول الصحفي سامي الساعي من مدينة طولكرم، إن زعتر حاول الفرار حين اشتدت المواجهة، لكن رصاصة "الجندي القناص" كانت أقرب إليه وأصابته في رأسه.
ويضيف الساعي أن الشهيد أصيب أيضا في قدميه فشلت حركته وسقط أرضا، "ولم يتمكن الشبان لشدة هول الأمر من سحبه ناحيتهم".
ولم يشكل زعتر "أي خطر" على الجنود، بما يعني أنهم -حسب الساعي- "تعمدوا قتله"، وقال إن معطيات ذلك كثيرة أبرزها "قرب المسافة بين الشبان والجنود وانكشاف المكان، ووابل رصاص الجنود الكثيف والمتنوع".
فقد "المحبوب"
وفاقت طولكرم ومخيمها على خبر استشهاد زعتر، ودوَّن كثيرون عبارات على مواقع التواصل الاجتماعي، كما نشر الشاب عبود فرعوني على جداره في الفيسبوك "الوطن للأغنياء والوطنية للفقراء".
أما إيهاب عامر صديق زعتر فلم يصدق خبر استشهاد "محبوب المخيم" كما يصفه، وجاء إلى المسجد لتوديعه وتشييع جنازته.
ولم يختلف كثيرا حال سامر بلوي صاحب بسطة لبيع القهوة، اعتاد زعتر المرور بها واحتساء القهوة منها، لكنه كان "يفضل الشاي عليها"، حسب بلوي الذي يضيف أن ابتسامته لم تفارقه حتى في أقسى الظروف، ولم يفقد الأمل يوما.
كان أمل زعتر وحلمه "بسيطا مثله"، يقول شقيقه الأكبر علاء، حيث سبق أن أخبره أنه يستعد للسفر إلى الأردن لرؤية أقاربه، رغم أنه عاد من هناك منذ خمسة أيام ولكن دون أن يراهم جميعا، كما قال.
يقول علاء بعدما رتل آيات من القرآن فوق رأس شقيقه الشهيد في مسجد السلام وسط المخيم قبل تشييع جنازته، إن زعتر أعدّ حقيبته فعلا ونوى السفر، وهو "حلم" لم يكتمل، حيث كانت إرادة الله بموته شهيدا رغم إصابة "خطيرة" قبل عدة أشهر في حادث سير.
لُفَّ الشهيد بالعلم الفلسطيني وحمل على الأكتاف وسط هتافات ضجت بها أزقة المخيم تطالب بالرد والانتقام لقتله، بينما أغلقت المحال التجارية أبوابها حدادا وصدحت مآذن المساجد ناعية وداعية إلى مشاركة أكبر في جنازة الشهيد التي تقدمها رفاقه من ذوي الإعاقة.
مطالب بالتحقيق
وشارك في جنازة الشهيد قيادات وطنية وإسلامية استنكرت جرائم الاحتلال وأكدت استهدافه للفلسطينيين عامة دون اكتراث "قهرا لهم"، حسبما يقوله القيادي بحركة الجهاد الإسلامي الشيخ خضر عدنان الذي طالب بفتح تحقيق داخلي لكشف جريمة قتل زعتر، والانتقال بملفها إلى المحافل الدولية والأممية الحقوقية والإنسانية للمطالبة بتحقيق دولي.
وذكر خضر الذي تحرر قريبا من سجون الاحتلال أن 16 أسيرا في سجن مستشفى الرملة يعانون الإعاقة، منهم ثمانية فقدوا أهليتهم الحركية، وأن أسرى معزولين فقدوا "أهليتهم الذهنية"، حسب قوله.
بدوره أدان الاتحاد الفلسطيني العام لذوي الإعاقة قتل الشهيد زعتر واعتبره "إرهاب دولة"، وفق وصف رئيسه رفيق أبو سيفين.
وكان الاتحاد قد أطلق حملة دولية أول أمس الاثنين تزامنا مع يوم الإعاقة العالمي؛ للإفراج عن 37 أسيرا يعانون إعاقات مختلفة، وآخرين مصابين بالسرطان. وذكر أن نحو عشرة من ذوي الإعاقة استشهدوا خلال السنوات الثلاث الماضية.
بالأمس القريب كان زعتر يحلم برؤية أقاربه في الأردن، لكنهم جاؤوه على عجل، وفي أجواء من الحزن ودّعته عمته في المسجد قبيل تشييعه.
المصدر : الجزيرة