ما السر وراء نجاح ناميبيا في مكافحة الأيدز؟

في جزءٍ ناءٍ من شمال ناميبيا، جاء هارفي دافيز ليفتح بوابة مجمع تغطيه الأتربة الكثيفة وتهب الرياح لتقذف بها بعيدا، قبل أن يهتف قائلا لاثنين من موظفي الصحة " مرحبا.. مرحباً لقد مضى وقت طويل منذ استقبلنا زوارا". دعا هارفي، 79 عاما، زوجته روث ناسيدنغو، 40 عاما، للحضور فأتت من المنزل حاملة طفلين على ذراعيها. هذا مشهد من الخط الأمامي لحرب ناميبيا ضد الأيدز حيث ساعد النهج القائم على جمع البيانات من أرض الواقع نامبيا كي تصبح واحدة من أكثر الدول نجاحاً في التعامل مع انتشار المرض. موظفو الصحة الذين يرتدون زياً أحمر يعملون في الميدان ويرفعون تقاريرهم لقائد مجموعة بدوره يعمل تحت إشراف مدير آخر، وسلاح هؤلاء هو طاولة بلاستيكية صغيرة وحقيبة تبريد مليئة بأكياس الثلج إضافة الى اختبارات فيروس نقص المناعة المكتسب. وقد قطعت ليونتين ليبينجي وماريا جونس مسافة تزيد عن ثلاثة كيلومترات من مركزهما في منطقة أوشانا من أجل زيارة الزوجين. حروف TCE هي اختصار لاسم البرنامج الذي يعملان به بالإنجليزية ويعني (السيطرة الكاملة على الوباء). وتظهر هذه الحروف بخطٍ كبير على قميصيهما. وتقوم بتنفيذ البرنامج جمعية غير حكومية في البلاد تعرف باسم "مساعدات تنموية من الشعب للشعب" واختصارها Dapp Namibia. يتجاوز عدد العاملين الميدانيين في البرنامج مئتي شخص يقدمون خدماتهم لعدد من السكان يبلغ نحو 182 ألف نسمة. ناسيدنغو، وهي أم لتوأم، تعيش حاملة لفيروس HIV منذ أكثر من عقد وتستفيد من خدمات البرنامج منذ عامين. ولكن هذه أول زيارة لزوجها لإجراء اختبار الأيدز. أكياس الثلج في حقيبة التبريد تحافظ على درجة الحرارة الصحيحة للاختبارات السريعة. وبينما تجلس طفلته "دورا" التي تبلغ من العمر 11 شهراً في حضنه، راقب ديفيز موظفة الصحة ليبينغي وهي تزيل المغلفات وتطهر أدواتها ثم تمسك بأحد أصابعه فقال مازحاً:"لست قلقاً. ولكن يبدو أن دورا هي القلقة". "اختبار" ومع إعلان الساعة مرور 15 دقيقة ظهرت نتيجة التحليل، قامت ليبينجي بشرح كيف أن اجراء اختبار لشركاء المصابين بالفيروس يساعد في السيطرة عليه. في المركز الصحي بمدينة اوشاكاتي، يجمع العاملون بيانات كل الأشخاص المسجلة إصابتهم بالفيروس ثم يتتبعون شركاءهم في الأنشطة الجنسية لمعرفة تأثرهم بالفيروس. يعتمد الاختبار السريع على فكرة البحث عن الأجسام المضادة للفيروس في الدم حيث تظهر النتيجة على شكل خطوط على شاشة صغيرة في جهاز الفحص. وبينما كان ديفيز وابنته يراقبان، ظهرت نتيجة الفحص على شاشة الجهاز وكانت سلبية، ومع ذلك أُحيل ديفيز إلى المستشفى لأنه بحاجة إلى عقاقير تقلل خطر إصابته بعدوى الفيروس من شخص مصاب به بنسبة 90 في المئة. الموظفون الميدانيون في برنامج TCE يعملون في هذه المنطقة منذ 14 عاما. وقد تمكنوا من كسب ثقة واحترام المجتمع إلا أنه لا يمكن إقناع كل شخص بإجراء الاختبار بسهولة. المحطة التالية بالنسبة للعاملتين ليبينجي وجونس تقع على بعد 12 كيلومتراً حيث سيتوجهان لمنزل لوكاس أنغولا في بلدة ايفولولوكو. اكتشف لوكاس إصابته بالفيروس الشهر الماضي فقط، ولكن زوجته ماتيلدا ايباندولا ظلت تحاول إقناعه بأن يخضع على مدار سنوات. وتقول ماتيلدا:" كنّا دائماً نتشاجر ونتجادل كلما تطرقت لمسألة اجراء الاختبار معه. كان يرفض الاستماع ولهذا طلبت من جارنا التدخل. كان الأمر صعباً ولكن يجب فعله". الجارة تدعى اميريتا كوتوندوكوا وتعد واحدة من ثلاثة أشخاص يشكلون مجموعة دعم لأنغولا، وتضم المجموعة المصاب بالفيروس وشخصين آخرين، ويقول انغولا إن تدخل زوجته وجاره ساعده في التعامل مع إصابته وتناول العقاقير التي تساعد على منع انتشار الفيروس. ويعتبر دعم المصاب مكونا أساسيا للنجاح في السيطرة على انتشار الفيروس هنا. فالقرب من منزل أنغولا، تجمع عدد من الأشخاص تحت شجرة فاكهة مارولا. كانوا ينشدون أغنية بلغة محلية تعبر عن كونهم محظوظين. تعرف هذه المجموعة باسم "نادي الالتزام المحلي"، وتتكون من اثني عشر شخصاً جميعهم مصابون بالفيروس. ويتناوب أفراد هذه المجموعة على الذهاب إلى العيادة الواقعة على بعد عشرين كيلومترا لتسلم العقاقير. الأمر لا يتعلق بالمال بعد أن تلتقي المرضى، تنضم جونيس رئيسة مجموعة العاملين الطبيين إلى المرضى للتخلص من توتر اليوم ويرقص الجميع حول حول الشجرة. وتقول جونيس"عندما تبدأ العمل يكون الأمر في البداية وظيفة وراتب ولكن مع مضي الوقت يصبح الأمر متعلقاً بالناس والشغف. كان لدي عاملون ميدانيون مكثوا لخمسة شهور فقط لانهم شعروا بأن رواتبهم لا تعوض الوقت الذي يقضونه في العمل. ولكن أولئك الذين استمروا كان لديهم شغف أن يكونوا مع الناس وأن يعملوا مع الناس من أجل تحسين حياتهم". تظهر إحصاءات صدرت مؤخراً عن منظمة "خطة طوارىء الرئيس للمساعدات العاجلة" الأمريكية أن هذا النهج الذي يركز على المجتمعات المحلية ساعد نامبيا على أن تتخطي الأهداف التي وضعها برنامج مكافحة مرض الايدز بالأمم المتحدة في عام ٢٠١٤ أو ما يعرف ببرنامج (90-90-90). هذه الاحصاءات تقيس: نسبة الأشخاص الذين يُعتقد أنهم مصابون بالفيروس ويعرفون وضعهم (حالتهم). نسبة الأشخاص الذين يعرفون وضعهم ويتناولون العقاقير المضادة للفيروس. نسبة الأشخاص الذين يتناولون الأدوية ولكن لم يعرف بعد نسبة الإصابة بالفيروس. وكشفت الاحصائيات أن ناميبيا سجلت نسب بنحو "86 في المئة، 96 في المئة، 91 في المئة) بالترتيب. لا وقت للاسترخاء وقد سجلت جنوب أفريقيا، الدولة الجارة لناميبيا وبها أعلى نسبة إصابة بالفيروس في العالم نسبة (90 في المئة،68 في المئة، 78 في المئة). ويقول وزير الصحة الناميبي برنارج هاوفيكو إن وقت التقاعس قد ولّى، ويضيف:" يوجد احتمال حقيقي أن نصل إلى هدفنا بحلول التاريخ الذي حددته المنظمة الأممية في عام 2020، فكل ما علينا فعله تقديم دفعة إضافية لأننا على وشك الوصول إلى هدفنا وما تبقى هو نسب ضئيلة فقط. علينا التركيز خصوصاً فيما يتعلق بحملات الوقاية في الميدان واستهداف الشباب الذي لم يخضع للاختبار". وكانت نامبيا واحدة من الدول التي بها أعلى معدلات انتشار للفيروس في العالم ولكن خلال السنوات الخمس عشرة الأخيرة تقلص عدد حالات العدوى الجديدة بها الى النصف. بيد أن ارتفاع نسبة العدوى في أوساط النساء الشابات اللواتي تترواح أعمارهن بين 15-24 عاماً ظل مصدر قلق بالنسبة للمسؤولين في نامبيا. وقد قال وزير الصحة السبت الماضي خلال حدث لإحياء يوم الأيدز العالمي الثلاثين إنه سيعمل على تشجيع الشبان الصغار لإجراء الاختبار والحصول على العلاج. في ناميبيا، يبدو أنه الرجال الأكبر سناً مثل ديفيز وأنغولا هم من يضرب المثل (في هذا المجال). وتأمل موظفة الصحة جونيس أن تصل لمرحلة لا تبلغ فيها عملاءها بالأخبار السيئة وتقول:" أذكر يوماً في عام 2015، كان أول ستة متقدمين للكشف مصابين بالفيروس، إبلاغ ستة أشخاص واحدا تلو الأخر بأنهم مصابين بالإيدز جعل هذا اليوم ذكرى لن أنساها أبدا". BBC

خميس, 06/12/2018 - 16:55