رغم تتويج الفيلم المصري "ورد مسموم" للمخرج أحمد فوزي صالح بثلاث جوائز في حفل ختام مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الأربعين، فإن فرص نجاحه تجاريا في مصر تبدو محدودة للغاية، فموضوعه وافتقاده إلى ممثلين مشهورين جعلت منه فيلما فنيا يقتصر توزيعه على عدد محدود للغاية من قاعات العرض في القاهرة.
فقد حصد فيلم "ورد مسموم"، المشارك في مسابقة آفاق السينما العربية بالمهرجان، ثلاثة جوائز هي أفضل فيلم عربي وقيمتها 15 ألف دولار، وجائزة صلاح أبو سيف (لجنة التحكيم الخاصة)، وجائزة الأمم المتحدة لشؤون السكان.
وكان الفيلم قد وصل إلى مهرجان القاهرة بعد رحلة ناجحة في المهرجانات العالمية، بدأت بعرضه العالمي الأول في مهرجان روتردام الدولي في هولندا، وفى مسابقة المخرجين الجدد بمهرجان "ساو باولو" بالبرازيل، ويواصل رحلته إلىمهرجان مراكش السينمائي، كما حصل على جائزة أفضل فيلم فى "مهرجان السينما الأفريقية" بإسبانيا.
قصة الفيلم
ويحكي الفيلم المأخوذ عن رواية "ورود سامة لصقر" للروائي أحمد زغلول الشيطي، قصة تحية (فتاة في الثامنة والعشرين من عمرها)، تهتم اهتماما خاصا بشقيقها صقر (22 عاما) الذي يعمل في مدابغ الجلود بالقاهرة القديمة، وتنقلب حياتها رأسا على عقب عندما تكتشف أن صقر يسعى للهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، فتبذل قصارى جهدها لمنعه حتى لو أدى ذلك لتعرضه للسجن.
ويحسب الفيلم على الأفلام المستقلة، ذات الميزانية المنخفضة التي تخاطب جمهورا مثقفا ولا تعتمد على الممثلين المشهورين، فلا يوجد بين ممثليه من الوجوه المعروفة للجمهور سوى الفنان محمود حميدة –الذي شارك كضيف شرف في التمثيل وكمنتج مشارك- إلى جانب الأبطال الفنانين إبراهيم النجاري وكوكي وصفاء الطوخي.
ونجح المخرج في الاستعانة بأهالي منطقة المدابغ، وجعل منهم ممثلين يؤدون أدوارهم الحقيقية أمام الكاميرا، ليقدم صورة شديدة الواقعية عن حياة عمال المدابغ، مازجا بين أسلوب الأفلام الروائية التي تعتمد على السيناريو المكتوب والأفلام الوثائقية التي توثق الواقع، وهو ما سبق أن قدمه المخرج في فيلمه الوثائقي الأول "جلد حي" عن الأطفال العاملين في المدابغ في عام 2011.
وكان الفنان محمود حميدة قد قال في تصريحات صحفية إن المكان الذي جرى التصوير فيه يشبه المستنقع، ويتسم بقسوته وعشوائية شوارعه، التي وصفها بأنها "حارات فيها مجاري مائية"، ومخلفات الورش والمصانع والمدابغ.
بين الجمهور والنقاد
واختلفت آراء الجمهور عند مشاهدتهم للفيلم، فوفقا لحسام دياب -الذي شاهد الفيلم في عرضه التجاري في سينما زاوية بوسط القاهرة- فإن قصة وأسلوب التصوير وأداء الممثلين كان جيدا، لكنه يحتاج لمزيد من التفاصيل في الحبكة الدرامية لفهم المزيد من العلاقات بين الشخصيات.
ورأي طالب السينما أحمد رسلان أن السيناريو ضعيف، وأحداث الفيلم بطيئة جدا جعلته مملا، كما ركز المخرج على تفاصيل حياة عمال المدابغ بشكل مبالغ فيه.
كما تفاوتت آراء النقاد حول الفيلم، فقد كتب الناقد طارق الشناوي عن الفيلم واصفا المخرج بأنه يتمتع بحس تشكيلي ورؤية فكرية ينقصها السحر، مضيفا لن تعثر على قصة تتابعها، ولكن رؤية بصرية ساهم في تحقيقها مدير التصوير ماجد نادر، حيث تصبح المياه المنفرة التي تنساب بين كل لقطاته وكأنها معادل بصري يحقق علامة درامية متكررة.
بدوره رأي الناقد عصام زكريا -في مقال صحفي في صحيفة روز اليوسف- أن القصة ليست ما يهم في الفيلم ولكن الحالة التي يعبر عنها، التي وصفها بحالة تسمم عام في البيئة المحيطة بالشخصيات، "التي تعمل وتعيش في منطقة المدابغ وتتعرض لأسوأ أنواع الكيماويات والتلوث".
تحديات إنتاجية
وتبدو تجربة إنتاج "ورد مسموم" صعبة وطويلة، فخلال سنوات طويلة ظل مخرجه أحمد فوزي صالح ومنتجه الفرنسي ومنتجه المشارك الفنان محمود حميدة يجمعان الأموال من صناديق الدعم العربية والأوروبية، ثم واجهوا مشاكل مع جهة الدعم المصرية التابعة لوزارة الثقافة التي لم توفر باقي مبلغ الدعم للفيلم.
وكان مخرج الفيلم قد أثار أزمته في الحصول على باقي المنحة قبل عامين، وقال في تصريحات صحفية "رغم حصول الفيلم على دعم من المركز القومي للسينما بمبلغ 750 ألف جنيه منذ أربع سنوات، فإن العراقيل والبيروقراطية تقف أمام صرف المبلغ كاملا".
وبدأ توزيع الفيلم في مصر في دار عرض واحدة فقط (سينما زاوية) عقب مهرجان القاهرة، وأضيفت دور عرض أخرى في مناطق مختلفة بالقاهرة هذا الأسبوع، ولا يتوقع أن يحقق الفيلم إيرادات كبيرة، نظرا لمحدودية توزيعه ونوعه وغياب الوجوه المعروفة عنه، ومع منافسة الأفلام الأميركية التي تسيطر على سوق الإيرادات في ديسمبر/كانون الأول قبل نزول أفلام مصرية جديدة في موسم الإجازة.
المصدر : الجزيرة