سخر الرئيس الأميركي دونالد ترامب يوم السبت الماضي من سياسات نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، معتبرا أن مظاهرات "السترات الصفراء" في فرنسا تثبت فشل اتفاق باريس للمناخ.
وكتب ترامب على تويتر "نهار وليل حزينان جدا في باريس"، وذلك في الوقت الذي كانت فيه العاصمة الفرنسية تشهد صدامات عنيفة بين محتجي السترات الصفراء وقوات الأمن.
لكن أحداث الفوضى في العاصمة الفرنسية قد تتشابه مع أحداث اليوم الأكثر عتمة في تاريخ أميركا الحديث، وبالتحديد في نيويورك التي شهدت أحداث فوضى وشغب كبيرة في يوم مظلم لا يسهل نسيانه.
لم تكن العيوب التقنية التي ظهرت بانقطاع الكهرباء هي أبرز ما حدث في هذه المدينة الأميركية، ولكن ما كشفت عنه من مشكلات عميقة في المجتمع والاقتصاد حتى قيل إنه بإغلاق الكهرباء تشتعل الجريمة ويظهر مدى عمق وتراكم المشكلات الحقيقية.
فمع غروب شمس يوم الأربعاء 13 يوليو 1977، أدت سلسلة من الصواعق على خطوط الكهرباء والبنية التحتية إلى إطفاء الأضواء وانقطاع الكهرباء بشكل كامل في معظم أحياء نيويورك، وبعد ساعة واحدة من الضربة الأولى توقف نظام "Consolidated Edison" الذي يزود معظم المدينة والمناطق المحيطة بها بالكهرباء بشكل كامل.
ماذا حدث في نيويورك 1977؟
ضربت صاعقة قرب محطة إنديان بوينت للطاقة النووية التابعة لشركة Consolidated Edison في مقاطعة ويستتشستر بولاية نيويورك على بعد حوالي 36 ميلا شمال مانهاتن، حسبما أفادت صحيفة نيويورك تايمز في اليوم التالي، وأطلقت سلسلة من الأحداث المدمرة بعدها.
وضربت صاعقتان أخريان بالطريقة نفسها المحطات الفرعية للكهرباء وخطوط الإرسال. وأظلمت الأضواء وتعطلت المصاعد وتوقفت القطارات وشبكة المترو والمطارات، وتأجلت ألعاب البيسبول، وأدى الانقطاع الهائل في الكهرباء إلى أعمال نهب وحرق وجرائم واسعة على مستوى المدينة.
جاءت هذه الأزمة وسط موجة حر شديدة، وتراجع اقتصادي وتفاقم الفقر وعدم المساواة، وجو من جنون الارتياب الذي تسببت فيه جرائم قاتل متسلسل لقب بابن سام.
لم تكد تنقطع الأنوار حتى بدأت أعمال النهب والحرق. وتم الإبلاغ عن أكثر من ألف حريق، وتلف أكثر من 1600 متجر أو نهبها بما في ذلك محلات بقالة وملابس وصيدليات وغيرها، وبلغت قيمة ما تم تدميره من الممتلكات أكثر من 300 مليون دولار.
وانتشرت أعمال النهب والتخريب على نطاق واسع، وشملت 31 حيا، بما في ذلك معظم الأحياء الفقيرة في المدينة. وربما كان أكثرها تضررا هو "كراون هايتس"، حيث تم نهب 75 متجرا، وفي مناطق أخرى اندلعت حرائق متعمدة ونهبت مخازن وسرقت سيارات من متاجر ووكلاء السيارات وأصيب قرابة 550 شرطيا في الفوضى، بينما قبضت الشرطة على المئات في أعمال النهب والشغب.
كانت حركة المرور شبه معدومة، لكن المئات من الحرائق اشتعلت طوال الليل، خاصة في حي بروكلين حيث كانت أعمال الحرق والنهب مستشرية.
واستعيدت الطاقة تدريجيا في اليوم التالي، وقبض على عدد كبير من الناس قدر عددهم بأكثر من ثلاثة آلاف شخص.
دلالة أحداث نيويورك
أظهرت عمليات الفوضى والشغب عيوبا كبيرة في شبكة الطاقة والكهرباء، وكذلك في قضايا مجتمعية واقتصادية مثل التفاوت العرقي وعدم المساواة الاقتصادية، وأزمات ومعاناة الطبقة الدنيا والظروف المتدهورة للفقراء في المدينة الغالية.
في نيويورك كانت المدينة لا تزال تعاني من تخفيض الموازنة في السنوات التي سبقتها، إذ أغلقت الحكومة مستشفيات ومحطات إطفاء ومدارس، وبدأت الجامعة في تحصيل الرسوم الدراسية من الطلاب للمرة الأولى.
وتسبب ذلك بمعاناة خاصة للأميركيين من أصل أفريقي ولاتيني، إذ فقدت عشرات الآلاف من الوظائف بعد الأزمة المالية التي حدثت عام 1975، وكان الغضب من التقشف واضحا ووصل إلى حد الاحتجاج في الشوارع قبل اليوم المظلم.
ومن هذه الناحية بدت نيويورك في أواخر السبعينيات شبيهة نوعا ما بباريس في الوقت الحالي، في بعض النواحي على الأقل، إذ عمت مظاهرات السترات الصفراء باريس وأدت لأعمال شغب وتخريب ونهب واسعة النطاق في العاصمة الفرنسية.
وأدت الاحتجاجات لنهب متاجر وإحراق سيارات وتحطيم نوافذ بعض المنازل، في حين شبهه البعض بأسوأ اضطرابات العاصمة الفرنسية منذ نهاية ستينيات القرن الماضي.
المصدر : الجزيرة