خطاب الكراهية في ميزان الشرع
أنا طالبُ حَقٍّ بالعِلْمِ
فبالعلمِ والمنطق والْـحِوار أسعَى لنفسي وأهل بيتِـي وللبشريَّة جمعاء لِيتمتَّع كلُّ واحدٍ من بني آدم بحقِّهِ الطبيعيِّ في العيشِ بسَلامٍ ووِئام وَأمانٍ حيثُ كان وكيفَ دَانَ.
وعلِمْتُ من القرآن أنّ أُولَـى خطوات طلَبِ العلم هِيَ إنصافُ الـخَصْمِ وَمَنْ يُـخالِفُكَ الرَّأْيَ والسلوكَ كما في الكلِّيَّةِ:
﴿وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ وَنَزَعْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْـحَقَّ للهِ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾ [القصص 74 ـ 75]
﴿وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللهِ إِلَــهًا ءَاخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ﴾ [قد أفلح 117]
﴿هَـؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّـخَذُوا مِنْ دُونِهِ ءَالِـهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ﴾ [الكهف 15]
﴿وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِـي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾ [سبأ 24]
وَيعنِـي أنّ اللهَ الواحدَ القَهَّارَ الْـجَبَّارَ أنصَفَ أعدَاءَهُ مِن نفسِهِ فَلَنْ يُعَذِّبَهُم بالنَّارِ قبْلَ تـمْكينِهِم من إثباتِ إِلَاهِيَّةِ ِشُرَكائِهِمْ بالاستدلال والمنطق، ويَعْنِـي أنّ منهجَ الأنبياء في الـحِوارِ مع الْمُخالِفِينَ هي افْتِراضُ الصواب معهم.
أَلا فَلْيَـخْنَسْ خِطابُ الْكَراهيّة بين الأمم والشعوب وبين الحكّام والمحكومين وبين الموالاة والمعارضة، وإنّه لطَيْشٌ مَـحضٌ وَخِفَّةٌ يتضَرَّرُ بِهما ذُو الكراهيَّة فِـي نَفْسِه وأهْلِه ويَـحْتَرقُ بهَا مشرُوعُه السيّاسيّ أو العلمِيُّ بِـما فَاتَه مِن أسباب النَّـجاةِ والنّجاح، وبِـما حَرَمَ نفْسَه مِن مَرَاكِبِ العَودَة والتوبَةِ والاعْتِذَارِ.
ولَا تسلْ عن تطرُّفِ كُلِّ جِهَة نافِذَةِ متمكِّنَة تَدْعُو إِلَـى طَرْحِ خطاب الكراهيَّة لِتكْبِتَ طُمُوحَ الْـمَظْلُومِينَ والذِين لا يَـجِدُون فُرَصَ العيْشِ والأمْنِ والإنصافِ، إِذْ ليسَ مِن خطابِ الكراهيّة الجهرُ بِالسُّوءِ من القوْلِ على الظالِمِ كما في قولهِ تعالى ﴿لَا يُـحِبُّ اللهُ الْـجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللهُ سَـمِيعًا عَلِيمًا﴾ [النساء 148].
وَإِنَّ مِنْ أبْشَعِ مظاهر خطاب الكراهيَّة وسلوكها أَنْ تَتَـجَاهَلَ المعارضة السِّيَاسيّةُ الكُلِّيَّةَ العامَّةَ فِي القرآن ﴿عَفَا اللهُ عَمَّا سَلَفَ﴾ [المائدة 95] ومن المثاني معها قوله تعالـى ﴿وَلَا تَنْكِـحُوا مَا نَكَحَ ءَابَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ﴾ [النساء 22] وقوله تعالى ﴿وَأَنْ تَـجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ﴾ [النساء 23].
وكذلك فَشِلَت الثورات الغوغائيّة يَومَ تجاهلتِ الكُلِّيَّاتِ العامَّةَ في القرآن، وَالْتَزَمَ بِهَا النّبِيَّ يوسف فقال لإخوتِهِ ﴿لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ [يوسُف 92] ويعني أنَّه تجاوزَ الصفحَ عنهم إلى طلب المغفرة لهم من الله، والْتَزَمَ بِهَا النبيُّ الْأُمِّيُّ صلى اللهُ عليهِ وعلى ءَالِهِ وسلَّمَ فخاطب عَدُوَّهِ يوم فتح مكَّة بقوله (اذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطُّلَقَاءُ).
ولا تَسَلْ عَمَّا ينتظرُ الثوراتِ الْـمُضَادَّة مِن فَشَلٍ وَبَوارٍ منذ مجزرة رابعة فما بعدَها من سَفْكِ الدِّمَاء في سوريا والعراق واليمن ومِن خَطفٍ وتعذيبٍ وتمزيقٍ وتحريقٍ.
وَيَلْزَمُ العقلاءَ من كل مجتمع حيثُ كانوا وكيفَ دانُوا صَوْنُ السِّلْمِ الاجتماعيِّ واعتبارِهِ مُقَدَّسًا بقرينة وُجُوب التنكيل بقطَّاعِ الطرُقِ قَتْلًا وصَلْبًا وَأنْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّن خِلَافٍ، وَأَخْطَرُ مِن قُطَّاعِ الطُّرِقِ وَأَفْجَرُ مَنْ يَنْشُرُونَ خِطابَ الكراهيَّة بين الْمجْتَمَعِ لِنَسْفِ سِلْمِهِ الاجْتِمَاعِيِّ وطُمَأْنِينَتِه، وإِنَّ الْـمُتَضَرِّرَ الْأَوَّلَ لَهُمُ الرُّضَّعُ والْأَطْفَالُ والنساءُ والعامَّةُ ومنهم الفنيُّون كالأطبَّاءِ والخبَّازِين والْـمُدَرِّسِين.
وذلِكُمُ الفرْقُ بينَ قُطَّاعِ الطُّرُقِ لسَلْبِ المال وبين دعاة الكراهيّة لسَلْبِ السِّلْمِ الاجتماعي الْمُقَدَّسِ.
الحسن محمد ماديك
باحث في تأصيلِ القراءات والتفسير وفقه المرحلة