الإعتقال في ذاته ليس نقيصة لا للمعتقلين بفتح ( القاف) و لا هو ذميمة بحق المعتقلين بكسرها. فسلطة القضاء كمؤسسة من مؤسسات الدولة المنصوصة في الدساتير أسست لفض النزاعات و فرض العقوبات و منح التبرئات المتعلقة بالمواطنين المتقاضين . و لكن المعيب و المدان هو اعتقال المواطنين خارج نطاق احترام مبدأ القانون و توظيف جهات معينة لنفوذها الناتج عن سمو مواقعها في السلطة التنفيذية و المسؤوليات التي تمكنها من عرقلة سير عملية التقاضي طبقا للمساطر الإجرائية القانونية بما يهدم مبدءا أساسيا في القضاء ، و هو مبدأ العدالة !
و من هذا المنطلق ، من حق رئيس الجمهورية ، بوصفه مواطنا، أن يرفع دعوى ضد أية جهة تلحق به على نحو غير قانوني أذى معنويا أو ماديا. و لكن ليس من حقه أن يوظف سلطته الكبيرة للتأثير على السلطة القضائية ليوقع ظلما و أذى معنويا أو ماديا بمواطن دونه في قوة التأثير ، محولا سلطة القضاء إلى مجرد آلية للانتقام من الخصوم و تصفية الحساب مع المعارضين السياسيين !
من هنا، فإن مبدأ اعتقال المدونين ليس هو الإشكال، و إنما العيب هو في منع محامي المعتقلين من الإطلاع على ملف التهم الموجهة لهؤلاء الرجال من جهة، و من جهة أخرى ، و هذه هي الكارثة، إخفاء الجهة المشتكية عليهم : هل هي مؤسسة الرئاسة ? هل هو الرئيس بصفته الشخصية ? هل هي أسرته ?
و الأغرب من كل ذلك أن هذه الجهة التي رفعت الدعوى لم تعبأ بوسائل إعلام دولية ذائعة الصيت ، و لها تأثير هائل على تشويه السمعة، و هي التي بنى عليها المدونون ما كتبوه عن قصة الأموال المجمدة في دبي؛ فكان الأولى الشكاية من تلك الوسائل التي رجع إليها الشباب كمصادر ، بدلا من اعتقال مواطنين ضد شكاية من مجهول و إخفائهم قسرا !
و من هذا المنطلق ، يجب التنديد بهذا الاعتقال الذي بدا حتى الآن أشبه بالاستهداف و الاستضعاف و التخويف و التكميم أكثر منه استرجاع لحق معنوي عبر قضاء نزيه مستقل في دولة قانون ...
و الخيبة أن يظلم النظام مواطنيه مرتين : مرة بتوظيف القضاء التابع له بسجنهم ظلما ، و مرة بعدم قطع الشك باليقين بالنسبة للرأي العام الوطني في قصة الأموال المجمدة ؛ إذ حبس مدونين بقضاء تابع لا ينهي الريبة !