بادئ ذي بدء تجدر الاشارة إلى أن مقاطعة تامشكط التي تأسست 1903 ظلت مهملة ومنسية بالرغم من أن بها أقدم مدينة تاريخية وسياحية كما أنها مدينة رعوية وزراعية بامتياز؛ لكنها ظلت في طي النسيان تعاني العزلة وخصوصا في المجال الاقتصادي حيث إن الفقر شرد سكان هذا الصقع حتي خرجوا زرافاة ووحدانا من شدة هول الأوضاع المعيشية المزرية.
والشيء نفسه ينطبق على الجوانب الاخرى فمعالم المدينة ظلت مطمورة برمال النسيان والتجاهل وإن كانت لا تقل في قيمتها التراثية عن باقي المدن التراثية مثل ولاته وودان.
فمدينة مثل آوداغست مرشحة للتصنيف ضمن التراث العالمي
ازدهر فيها االعلم والاقتصاد وكانت همزة وصل بين ما يعرف آنذاك ببلاد السودان والشمال الغربي الذي كان يمثل الثقل البشري والثقافي وقد تحدث معظم المؤرخين عن هذه المدينة وما شهدته من تقدم وازدهار وممن تحدث عنها من المؤرخين أبو القاسم محمد بن حوقل والادريسي والبكري ومؤرخ مراكش وياقوت الحموي وعبد المؤمن البغدادي ومن ذلك ماذكره كتاب مراكش، الاستبصار فی عجائب الامصار ، ص 215_216
قال کاتب مراکشی: "و بين صحراء لمتونه و بلاد السودان ، مدينة أوداغست وهي مدينة عظيمة آهلة فيها أمم لا تحصى و لها بساتين كثيرة و نخل كثير، و يزرعون فيها القمح بالحفر بالفؤوس و يسقونه بالدلاء ، و كذلك يسقون بساتينهم، و إنما يأكل عندهم القمح الملوك و أهل اليسار منهم، و سائر أهلها يأكلون الذرة و المقاتى تجود عندهم كثيرا، و البقر و الغنم عندهم أكثر شيء و أرخصه: تشترى فى أودغست 10 أكباش بدينار و أكثر من ذلك، و هم أرباب نعم جزيلة و أموال جليلة و لهم أسواق حافلة عامرة الدهر كله، لا يكاد يسمع الإنسان فيها صوت جليسه لكثره غوغاء الناس، و تجارتهم إنما هي بالتبر و ليس عندهم فضة؛ و بمدينة أودغست مباني حسنة و منازل رفيعة و أهلها أخلاط من جميع الأمصار، و قد استوطنوها لكثرة خيرها، و نفاق أسواقها وكثرة تجارتها". انتهى
وقد ظلت المقاطعة تعيش في عزلة جغرافية وسياسية واقتصادية إلى اليوم ومن أشدها تهميشا سكان الدخلة فمنذ نشوء الدولة الموريتانية وإلى اليوم وعبر تعاقب الأنظمة وسكان دخلة أهل عمار الشيخ حظهم من الدولة النسيان والحرمان وماطال هذه القرية من حرمان ونسيان لم يطل مجموعة من مجموعات
موريتانيا ولا جهة من جهاتها ستون عاما من الاقصاء والتهميش وتحت نير هذا التهميش والاقصاء أصبح سكان القرية مهجرين مشتتين داخل أرض الوطن وخارجه كتلة في كيدماغة وكتلة في لعصابة وكتلة في السودان والسعودية وليبيا والمغرب.
لقد اشتهر سكان القرية عبر تاريخهم الماضي المجيد بالتضحية من أجل الوطن حيث قدموا الشهداء قربانا وفداء للوطن؛ ومن أشهرهم فال ولد ببكر وخطر ولد الصغير الذي مثل المستعمر بجثمانه الطاهر، كما ساهمت القرية عبر تاريخها بالمقاومة الثقافية وظلت محاظرهم قبلة للركبان ينهلون من معين الوحي والعلوم الشرعية كما يعلم الجميع أن أول من درس رسم القرآن في منطقة أفل محمد ولد سيد محمد؛ وفي حرب الصحراء قدمت القرية شهداء وأسرى.
يوجد في القرية أطر وحملة شهادات وقضاة وأساتذة ومفتشون وأطباء وإداريون مدنيون ومهندسون كلهم يدورون في فلك السلطة ولم يسجل عليه في يوم من الأيام وقوفهم إلى جانب المعارضة لكن ذلك لم يشفع لهم بل ظلت القرية محسوبة على المعارضة مأخوذة بجريرة بعض أبنائها الذين ولوا وجوههم شطر المعارضة عندما سدت الدولة أبوابها أمامهم وتركت الأبواب مشرعة أمام من حولهم وكأن القدر شاء لتلك القرية أن تبقى معارضة إلى ما شاء الله، وأن تظل محرومة من جميع الخدمات العمومية لا ماء لا كهرباء لا صحة ولا تعليم، وكأن لسان الحال يقول حظكم من دولتكم الصبر وحظ غيركم المنافع والشكر
فما الذي اجترحه سكان دخلة أهل عمار الشيخ بربكم ؟
لكننا مع هذا كله نأمل خيرا ونطمئن على مستقبلنا ومستقبل أمتنا وخصوصا عندما بدأت تلوح في الافق بارقة أمل حيث إن ليل التهميش مهما طال لا بد أن ينجلي وشمس الظلم لا بد أن تأفل فلسوف تشرق شمس العدل والمساواة فعندما يشتد الظلام ينبلج الصباح.
وأخيرا يجدر بنا أن ننبه أن بلدنا يمر بمرحلة حساسة ومفصلية
تستدعي قدرا من القوة والأمانة والحزم واليقظة وسط محيط يعج بالقلاقل والمشاكل كثير التقلبات والتغيرات لا يمكن أن نحصن أمتنا منه إلا بالعدل والمساواة ورفع الحيف عن المكلومين والمظلومين.
بقلم: محمد محمود ولد محمد فال