ثورة السودان تواجه تحديات خطيرة

 الشفيع خضر سعيد

تحديات جسيمة وخطيرة تواجه ثورة الشعب السوداني، وتستوجب أن نضعها في مقدمة الأولويات ونتعامل معها بكل الجدية المطلوبة، وإلا شكلت مدخلا مريحا للانتكاس. أولى هذه التحديات أن انتصار الثورة يظل جزئيا وغير مكتمل ما دام توقف عند الإطاحة برأس سلطة تحالف الاستبداد والفساد، أو غطاءها السياسي، بينما جسد هذا التحالف باق ينخر في عظام الثورة وينسج خيوط غطاء سياسي بديل، لينقض ويحكم من جديد بقوة الدم المسفوح. وحتى إذا لم يتمكن جسد هذا التحالف من استرداد السلطة، فلن يهمه أن تدخل البلاد في نزاع دموي شرس، سيكتسب الديمومة بفعل عدد من العوامل الداخلية والخارجية. فداخليا، من الصعب على تحالف الفساد والاستبداد أن يبتلع ضياع ما راكمه من ثروات ضخمة خلال الثلاثة عقود الماضية. وهي ثروات لم تُجن بكدح عرق الجبين أو بتدوير رأسمال متوارث، وإنما باستغلال يد السلطة في نهب موارد البلاد وأحلام مستقبل شبابها.
وفي ظل حقيقة أن هذه الثروات لم تُمس حتى اللحظة، ويجري استخدامها في التحضير الجدي للانقضاض، وفي ظل حقيقة أن الجرائم البشعة التي ارتكبت خلال الثلاثين عاما الماضية ثم إبان حراك الثورة، لاتزال دون مساءلة أو عقاب، بل مرتكبوها لا يزالون في مواقع السلطة، وفي ظل وجود قوة مسلحة ضمن هياكل السلطة الحالية، تدين بالولاء لتحالف الفساد والإستبداد، وعقيدتها القتالية الإنتقام من الشعب ومن ثورته، يمكننا الدفع بقوة منطق حديثنا حول إمكانية إنقضاض هذا التحالف على الثورة.
ويعزز من هذه الإمكانية، إستقطابات المحاور الخارجية وحربها بالوكالة على أرض السودان. فبعض هذه المحاور تواصل تمتين علاقاتها مع مجموعات واسعة تتشارك الرؤى وعموميات الفكرة، بهدف خلق غطاء سياسي جديد يعمل على الاستفادة القصوى من جسد تحالف الفساد والاستبداد الذي لا يزال متمكنا في مفاصل الدولة، تمهيدا للانقضاض على الثورة. وعلى الجانب الآخر من ميدان الحرب بالوكالة، تجتهد محاور مضادة للانتصار لمصالحها، معلنة انحيازها للثورة، لكنها تستخدم الكثير من التكتيكات التي يمكن أن تضر بهذه الثورة.

القائد الحقيقي، هو من يحس بنبض الشارع فيحوله إلى موقف يتماهى مع هذا النبض ويعبر عنه، مستخدما ملكاته القيادية في التحليل ودراسة الواقع وكيفية التعامل مع هذا الواقع حتى يتحول ذاك النبض إلى حقائق ملموسة

التحدي الخطير الآخر هو غياب الرؤية الموحدة وسط قيادات الثورة تجاه الواقع السياسي الراهن الذي أفرزته الثورة، وتجاه موازين القوى في البلاد، وتجاه دور المحاور الخارجية المشار إليها أعلاه. فبعض
هذه القيادات يدرك أن تحقيق الكثير من شعارات الثورة يصطدم بتعقيدات جدية في الواقع، وأن الموقف الثوري السليم ليس في التنازل من هذه الشعارات، بل في القناعة بأن تحقيقها لا يمكن أن يتم بضربة لازب، وإنما عبر ممارسة التكتيكات الذكية التي تمنع نمو وتماسك تحالف الثورة المضادة، وفي ذات الوقت تعمل على تقوية عود قوى الثورة حتى تتجاوز هذه التعقيدات. لكن، بعض قيادات الثورة ترى في هذا الموقف تخاذلا وهبوطا ناعما. أعتقد بترسيخ الهدوء ونبذ التشنج، وبرفض التخوين والاتهامات الجزافية وسط قيادات الثورة، وبالتقييم الموضوعي لدور الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في الثورة، وبمزيد من التركيز على الأولويات وعدم الغرق في تفاصيل الشكليات الخلافية، كما تود وتستثمر بحرفية عالية أجهزة الاستخبارات المعادية للثورة، وبالتمسك بمبدأ أن ما يجمعنا أكثر مما يفرقنا، وأن الوطن وثورته فوق الجميع ويتهددهما خطر داهم..، أعتقد أن التقيد بهذه المعاني وهذه المبادئ هو المخرج إلى بر الأمان. وفي هذا الصدد، علينا، وخاصة زملاءنا في قيادة الثورة، الإنتباه من خطر الوقوع في فخ الشعبوية الضارة، فتغير من مواقفها حسب الشعارات المطروحة في الشارع، في حين القائد الحقيقي، في نظرنا وكما تعلمنا من التجارب والدروس، هو من يحس بنبض الشارع فيحوله إلى موقف يتماهى مع هذا النبض ويعبر عنه، مستخدما ملكاته القيادية في التحليل ودراسة الواقع وكيفية التعامل مع هذا الواقع حتى يتحول ذاك النبض إلى حقائق ملموسة.
تحد ثالث، وهو أيضا خطير جدا، يتمثل في أن السودان حاليا به أكثر من خمسة جيوش وعدد من الميليشيات المسلحة، إضافة إلى ما تواتر من أنباء حول بعض الميليشيات المتواجدة خارج السودان، واستعداداتها لدخول البلاد لنصرة هذا أو ذاك في صراعات السلطة. هل نغمض أعيننا عن هذه الحقيقة، ونواصل التعامل مع قضية السلطة، وكأن هذه الجيوش غير موجودة، أم نبحث في كيفية التعامل الحكيم معها حفاظا على استمرار السلمية ومنع تكرار تجارب ليبيا وسوريا واليمن؟.
تحد خطير آخر، هو فشل الثورة حتى الآن، ولأكثر من خمسة أسابيع منذ انتصارها، في تشكيل حكومتها، بينما إدارة البلاد، على مستوى الحكومة الإتحادية والحكومات الولائية تُركت لقيادات الخدمة المدنية المتنفذة في المواقع القيادية، والتي وصلت إلى هذه المواقع بعامل الولاء للنظام البائد وليس بعامل الكفاءة والترقي الوظيفي الطبيعي.
عندما توافق الناس، منذ اليوم الأول لاندلاع الثورة، على حكومة كفاءات في الفترة الانتقالية بعيدا عن المحاصصات الحزبية والجهوية، كان في ذهنهم، ضمن عوامل أخرى، تجنب النزاعات السياسية وسرعة التوافق حول تشكيل الحكومة. وكنت أعتقد أن مبادرة اقتراح التشكيل، وفق هذا المعيار الواضح، ستأتي من كتلة تضم تجمع المهنيين ومبادرة أساتذة الجامعة ومجموعة القوى المدنية، ويعرض التشكيل المقترح على الأحزاب والمكونات الأخرى للتشاور وإبداء الملاحظات، وحتى اقتراح تعديلات، وذلك خلال فترة زمنية وجيزة جدا. ولكن، هذا لم يتم حتى اللحظة. وعندما يتحدث البعض بتشنج عن رفض المجلس العسكري تسليم السلطة لحكومة مدنية، يسأل المرء في اندهاش وإستغراب، أين هي هذه الحكومة المدنية؟! أعتقد ان الأولوية الآن لاقتراح تشكيل هذه الحكومة والتوافق حولها، وفي ذات الوقت التفاوض، نعم التفاوض، مع المجلس العسكري الانتقالي حول صلاحيات مجلس السيادة الانتقالي وتركيبته من حيث نسب العسكريين والمدنيين فيه، وتكوين المجلس ليعتمد تعيين رئيس الوزراء وحكومته الانتقالية.
التحديات كثيرة، وسنواصل الحديث عنها تباعا.

القدس العربي 

اثنين, 13/05/2019 - 15:10