نحو حكومة توافقية موسعة

بدي ابنو

انتهتْ الانتخابات الرئاسية الموريتانية وبقي سؤال "وما ذا بعد"، بقي كما كان يؤرّق كلّ المعنيين. بل ازداد إلحاحا بقدر ما عبّرَ عنه البعض من آمال في انفراج ما للأوضاع وما عبّر عنه آخرون من أن تأتي هذه الانتخابات بأزمة جديدة تنضاف إلى الأزمات الكثيفة القائمة.

 وازدادت هذه المخاوف بتحديات إضافية في الساعات الماضية كانت في الحقيقة متوقّعة. فبغضّ النظر عن أي تقييم ميداني وفني للانتخابات وللاقتراع يَلزم أن ندرك حجم معاناة الأغلبية وعذاباتها الصامتة وشبه الصامتة وحجم مراهنتها على كل فرصة للتغيير مهما تكن غير حرية بالمراهنة. إن الطمأنة الفورية للجميع والحرص على أكبر مستوى من الشفافية العمومية وإشراك كافة الفرقاء في تسيير ما بعد هذه الانتخابات هي كلّها الآن وفي هذه اللحظات الخاصة قضايا أمن وطني وسلم مدني وأهلي. إنها أولويات استعجالية.        

من المهم هنا أن نحيي وتشيد بحرص مكونات المعارضة التاريخية على السلم المدني والأهلي واعتباره أولوية. ويقتضي الحدّ الأدنى من المسؤولية من السلطات العمومية أنْ تكون بالمستوى نفسه من الحرص على ضمان الأمن وعلى ضمان الحريات الدستورية فهي طبعاً المسؤولة الأولى قانونا عن توفير الأمن وعن توفير الحريات الفردية والجماعية بما فيها حريات التظاهر السلمي وضمانها بالتساوي للكافة. فكما أن السلم الاجتماعي أولوية فإن الضامن الأول لحماية السلم الاجتماعي هو العدل والإنصاف بكل ما لهاتين المفردتين من معنى. والحرية التي تتضمن أشياء كثيرة بينها الحريات الديمقراطية لا تعني في عمقها غير العدل والإنصاف. ومن المؤكد أن أي أزمة أمنية أو اهتزازات في السلم المدني والأهلي لن يكون المنتصر فيها العدل والإنصاف والحرية.

فمن مسؤولية السلطات العمومية كما من مسؤولية كل الذين ترشحوا لهذه الانتخابات وطبعاً من مسؤولية كل الجهات السياسية وكل صناع الرأي بل من مسؤولية الكافة القيام بتعبئة شاملة في هذا اللحظات لضمان السلم المدني والأهلي وفي الوقت نفسه لضمان الحريات الدستورية الفردية والجماعية.   

 لقدعانت بلدان افريقية عديدة بينها موريتانيا مما عرُف في العقود الثلاثة الماضية بالأزمات المابعد انتخابية (Les crises post-électorales). وكما هو جدّ معروف فقد تجسدتْ تلك الأزمات مثلا في اهتزازات أمنية وانسدادات لا محدودة وفي هدرٍ للمقدرات والجهود التي كان يجب أن تنصبّ على التنمية في منطقة من أشدّ مناطق العالم تخلفاُ وفقرا من منظور عموم المؤشرات التنموية المتداولة. وكان دائما يقف خلف تلك الأزمات عنوان كبير هو الرغبة في الأحاية وفي الاستفراد بالبلد وفي مقدراته وقراراته إلخ.

إن قراءة نتائج الانتخابات الموريتانية الحالية بغض النظر عن أي تقييم لمعطياتها الفنية والميدانية تدلُّ سياسياً على أن موريتانيا اليوم بجاجة ماسّة إلى مسار تصالحي يتمّ فيه، عبرَ حكومة توافقية موسعة أو ما يماثلها، إشراكُ أكبر قدر ممكن من الأطياف والتوجهات والفئات في التداول واتخاذ القرارات وفي التسيير العمومي إلخ. فتلك بداهةً هي المسؤولية التاريخية في هذه المرحلة.

بروكسيل 23 يونيو 2019

بدي ابنو

اثنين, 24/06/2019 - 14:43