استمعت إلى تسجيل الشيخ محمد ولد سيدي يحيى بشأن قضية محمد الشيخ ولد مخيطير، ولم يفاجئني هدوء الشيخ محمد ولا نبرته التي تزن الأمور بميزان دقيق، يمزج بين الوعي الواقعي بمقاصد الشرع، وبين محكمات النصوص.
أعجبني في الشيخ عدم تسرعه، وبيانه المتزن في القضية؛ خاصة حين شدد على أنه ينظر إلى تصرفات الناس بمنطق المقاصد الشرعية، بعيدا عن تبنيها؛ فهو يفرق بين ما يفتي به وما يتبناه، وبين ما يتبناه غيره، ولا يمنعه رفض موقف أو عدم القناعة به من الفرح بتبنيه من طرف غيره، استبشارا ببحث الناس عن مخارج شرعية لتصرفاتهم.
الشيخ محمد ولد سيدي يحيى غير معقد من تاريخه، وحق له ذلك؛ فحين كانت المساجد مهجورة والجهالة الفكرية تضرب أطنابها في العاصمة نواكشوط كان الشيخ محجا للظمأى لتعلم شيء عن دينهم، وحين كانت السلطات تبطش في الظلام دون أن يجلب بطشها فرادة، ولا بطولة، ولا تضامنا في وسائط التواصل، كان الشيخ يقول الحق المر، يستوي في فهمه العوام والخواص، وكانت التقارير تتقاطر عن الشيخ كل مساء..
من لم يحترم للشيخ محمد ولد سيدي يحيى شيبته فيوشك أن يضرب الأرض بمن يرفعهم اليوم لو خالفوا هواه في فتوى، أو تنكبوا طريقه في قول.
كان الشيخ محمد يعرف حين سكّ مصطلح "علماء بنافه" وقعه في نفوس الناس، وإيلامه الساكتين عن النكير على السلطان، كل سلطان، ويعرف حين واقف طغيان المجتمع وخاطب لحراطين برسالة الإسلام الذي ظن أسلافنا أنهم غير مخاطبين بها.. وهو يعرف حين يتخلى عن استخدام المصطلح أن مرحلة خطاب إسلامي أخرى قد أزفت، وأن الغربة قد زالت عن إنكار المنكر والأمر بالمعروف.
من يرفلون اليوم في مواكب الفخر بدعوة الإسلام إنما يتبخترون في ظلال بناء شاده الشيخ محمد ولد سيدي يحيى بجهاده ودعوته، وسيجه من كريم عرضه، وسقاى غراس جدرانه من سهره الليالي في سجون الطغاة، وعلى قرع نعال المخبرين.
إنما يعتلون منابر ذلل الشيخ محمد غواربها بصليل الحق، وناصع البيان، ولئن لم يعوا أن الزمن تغير، وأن للحق في كل مقام مقالا، ومع كل حقبة منطقا، فذلك جهلهم، لا خنوع الشيخ وما كان الشيخ خنوعا...
الشيخ محمد كان هو دعوة الإسلام، وكانت الدعوة هي الشيخ محمد ولد سيدي يحيى، ثم تفرعت شجرة النسب والتصق بها كل مدّعٍ نأى حين كانت الشجرة يتيمة في مأدبة لئام.. وحين كان الشيخ راعي يتم الدعوة، والماسح على رأسها، وربيعة ظعينتها.
ليهنأك حصاد الغرس، وجني الثمار، شيخ الدعوة وإمامها، فما يكون من دعوة الإسلام في هذه البلاد إلى قيام الساعة فثوابه إن شاء الله لكم غير منقوص، ولا منغص... تلقونه بعد طول عمر وهناءة عيش، وحسن منقلب.. عليك من الله سلام ما نطق ناطق بحق.. وما جهل الجاهلون.