تمرُ الصين بلحظةٍ هى الأدقُ منذ أن بدأت فى بناء قوتها الشاملة فى أواخر السبعينيات. عليها أن تختار بين مواصلة الطريق التى بدأتها، وحققت تقدمًا كبيرًا فيها، أو بدء طريقٍ جديدةٍ لا يُعرف إلى أين ستقودُها.
المعطياتُ والمؤشراتُ الحالية تفيدُ أن الخيار الأول هو الأرجح، وأن أغلبيةً فى اللجنة المركزية للحزب الشيوعى تدعمُ موقف عدم الانحياز فى حرب أوكرانيا، رغم وجود تعاطفٍ مع روسيا فى بعض الأوساط. ويُتيحُ هذا الخيارُ فرصةً يمكنُ أن تكون عظيمةً إذا أمسك بها القادة الصينيون الذين يفضلون عادةً سياسة التروى وعدم التعجل. وفى هذه السياسةِ من الحكمة ما فيها، ولكنها قد تُضَّيع هذه المرة فرصةً عظيمةً، ولا تدخلُ فى نطاق التعجل الذى قد يقودُ إلى ندم. فإذا نظروا حولهم جيدًا، سيجدون دورًا هائمًا على وجهه فى سماء الكوكب وأجوائه يبحثُ عمن يؤديه. دورُ تشتدُ الحاجةُ إليه لإنقاذ العالم، وليس روسيا وأوكرانيا فقط، من ويلات حربٍ ستطول، وستزدادُ الخسائرُ المترتبةُ عليها فى أنحاء العالم.
دور جديد بالنسبة إلى الصين، التى لم تُظهر من قبل قوتها وقدراتها السياسية على هذا المستوى، بعكس إمكاناتها الاقتصادية والتكنولوجية التى يعرفُها العالمُ جيدًا. دورُ يمكن أن يرفعَ الصين إلى أعلى ذروةٍ على صعيد تقدير العالم واحترامه، باستثناء من لهم مصلحه فى استمرار الحرب.
تتميزُ الصين بما لا يتوافرُ لغيرها إذا عزمت على استثمار الفرصة، وتدخلت من أجل وقف الحرب والتوصل إلى اتفاقٍ سياسىٍ. علاقاتُها القويةُ حتى الآن مع روسيا تجعلُ كلمتها مسموعةً لدى الكرملين الذى لن يغامر فى هذه الحالة بإغضاب الدولة الكبرى الوحيدة التى راهن على أنها لن تتخلى عنه, الأمر الذى يُعززُ موقفها حين تطلبُ وقف الحرب، وتضغطُ من أجل اتفاق واقعىٍ يضمنُ حياد أوكرانيا مقابل ضماناتٍ أمنية، ووضعًا خاصًا يتضمنُ استقلالاً ذاتيًا كاملاً لمنطقتى دونيتسك ولوجانسك.
وفى هذه الحالة، سترتفعُ أسهمُ الصين، فى مقابل مزيدٍ من انخفاض الأسهم الأمريكية، فى بورصة النظام العالمى وستختصرُ الطريق التى تسلكُها منذ سنواتٍ نحو موقعٍ مُستحقٍ فى قمة هذا النظام.
* نقلا عن " الأهرام"