من يؤيد حسنين رشيد ..؟!

علاء الأسواني

حسنين رشيد كان موضوع اهتمام الصحافة العالمية هذا الأسبوع. انه مواطن بريطاني مسلم يبلغ من العمر 32 عاما، يعمل مصمم برامج كمبيوتر ويلقي دروسا دينية في بعض المساجد في انجلترا. اقتنع حسنين بأفكار "تنظيم الدولة الاسلامية" المتطرف واستغل خبرته كمهندس كمبيوتر في انشاء مجموعات سرية على الانترنت خطط فيها مع زملاء له لشن هجمات ارهابية لقتل أكبر عدد ممكن من "الكفار" الانجليز. بالاضافة إلى اطلاق الرصاص والقاء القنابل دعا حسنين إلى طرق مبتكرة في قتل الكفار مثل تسميم الفواكه والايس الكريم في المطاعم ومحلات الأغذية، ثم دعا إلى قتل الأمير جورج حفيد ملكة بريطانيا وهو طفل لا يتجاوز عمره خمس سنوات، لكن حسنين اعتبر قتله واجبا شرعيا وقد نشر حسنين عنوان المدرسة التي يتعلم فيها الأمير جورج ودعا إلى قتله في الصباح الباكر عند دخوله إلى المدرسة.

اكتشفت الشرطة البريطانية حسنين وتم القبض عليه وتقديمه للمحاكمة وأمام القاضى أنكر حسنين التهم المنسوبة اليه ثم عاد واعترف بها جميعا وقال بوضوح إن "الله يأمرنا كمسلمين بقتال الكفار وقتلهم". حكم على حسنين بالسجن مدى الحياة (بحد أدنى 25 عاما) .اخترت مقالا عنه في صحيفة انجليزية وأعدت نشره في صفحتي على تويتر وكتبت ان هؤلاء الارهابيين يسيئون لصورة الاسلام في الغرب. توقعت بالطبع أن تكون التعليقات مؤيدة لرأيي لأن حسنين رشيد ارهابي مجرم وهو ابن لأسرة مهاجرة وبدلا من أن يكون ممتنا لفضل انجلترا التي منحته فرصة التعليم والعمل فقد سعى إلى تخريبها وقتل مواطنيها. ان قتل الأبرياء العزل جريمة بشعة لايمكن تبريرها اطلاقا بأي سبب..لكنني فوجئت على صفحتي بعدد كبير من التعليقات الغريبة ولأنها تمثل عينة من تفكيرنا سيكون مفيدا أن نتأملها وقد تميزت التعليقات بما يلي:  

1 -  العدوانية                                                                     

انهال بعض المعلقين على شخصي بالشتائم البذيئة لمجرد ادانتي للارهاب، واتهموني بأننى عدو للاسلام والشريعة وأعمل على نشر الفاحشة بين المسلمين وأكدوا أننى عميل للغرب والصهيونية العالمية. العجيب ان هؤلاء الشتامين يضعون على صفحاتهم آيات قرانية وأدعية وابتهالات دينية مؤثرة فهم يعتبرون ان شتائمهم لأعداء الدين مثلي لاتتعارض مع ايمانهم الديني وهم فاشيون بمعنى الكلمة يؤمنون انهم وحدهم أصحاب الدين ومن يعترض عليهم يجوز سبه والاعتداء عليه بغير ان يخدش ذلك إحساسهم بالتقوى اطلاقا.    

2 - الانكار                                                           

بعض المعلقين شككوا في قصة حسنين رشيد من أساسها وقالوا إنه ليس ثمة دليل على وجود رجل بهذا الاسم، وأكدوا أن مثل هذه القصص تختلقها الصهيونية العالمية من أجل الاساءة للاسلام. هذا السلوك معروف في علم النفس بآلية الانكار والانسان يلجأ اليها عندما يجد نفسه في موقف يعجز عن مواجهته فيلجأ إلى انكار ما يحدث أمامه.

3 - التفكير الانتقامي                                                   

عدد كبير من المعلقين تبنوا تفكيرا انتقاميا وتساءلوا لماذا نحزن على ضحايا الارهاب الغربيين ولا نحزن على الضحايا العرب الذين قتلهم الجيش الأمريكي، بل إن بعضهم ذكّرني بالضحايا الجزائريين الذين قتلهم الاستعمار الفرنسي. هذا التفكير الشاذ يفترض اننا إما أن نحزن على الضحايا الغربيين أو الضحايا العرب مع اننا يجب أن نحزن على أي انسان بريء اذا قتل ظلما بغض النظر عن دينه وجنسه. الأخطر في هذا التفكير انه يتبنى منطق الارهابيين فهو يعتبر ان الغربيين جميعا مسؤولون عن جرائم ارتكبها بعض جنود الجيش الأمريكي.

أبسط قواعد العدالة ان تكون المسؤولية شخصية فيكون كل شخص مسؤولا فقط عما يفعله وليس ما يفعله الآخرون، لكن أصحاب التفكير الانتقامي لا يعترفون بالمسؤولية الشخصية وهم يتبنون منطق المسئولية الجماعية ضد الغربيين، تماما كما يعتبر اليمين المتطرف في الغرب المسلمين جميعا مسؤولين عن جرائم الارهابيين لأنهم مسلمون مثلهم.

ان الارهابيين واليمينيين العنصريين يتبنون جميعا مبدأ المسؤولية الجماعية. هنا نكتشف الموقف المتناقض لهؤلاء الانتقاميين فهم يشمتون في ضحايا الارهاب من الغربيين، لأنهم في رأيهم مسؤولون جميعا عن جرائم الجيش الامريكي في العراق وافغانستان، وفي نفس الوقت عندما يتعرض هؤلاء المسلمون للاضطهاد في المجتمعات الغربية يحتجون بأن من الظلم أن يعاملوا بهذه الطريقة لمجرد انهم مسلمون لأن ليس كل مسلم ارهابي. أي أنهم يطبقون المسؤولية الجماعية على الغربيين ويرفضون تطبيقها على أنفسهم. 

لقد أثبتت التعليقات التي قرأتها على موضوع حسنين رشيد ان بعضنا لا يزالون بعيدين ذهنيا عن مفهوم العدالة وهو أمر مؤسف لكنه طبيعي لأننا نشأنا في مجتمعات الاستبداد ولم يعاملنا أحد بعدالة وبالتالي يكون من الصعب علينا أحيانا أن نعامل الآخرين بعدالة لم نعرفها أساسا.

الأمر الأسوأ الذي كشفت عنه التعليقات ان كثيرين منا يتهربون من الاعتراف بأن التراث الاسلامي (وليس الاسلام نفسه) يحمل فعلا أفكارا  تحض على العنف والارهاب. بعد كل عملية ارهابية يسقط فيها ضحايا أبرياء في بلادنا أو في الغرب نكتفي عادة بكلمات رائعة عن سماحة الاسلام ونؤكد بحماس ان الارهابيين لا يمثلون الا أنفسهم والاسلام منهم براء. اننا ببساطة نتهرب من مواجهة الحقيقة. ان من يقتلون الأبرياء باسم الاسلام يستندون في جرائمهم إلى آراء فقهية لايهتم أحد بمناقشتها وتفنيدها. كل من يقرأ حكم قتل الكفار في الفقه الاسلامي سيكتشف اننا لن نقضي على الارهاب الا اذا  تخلصنا من هذا الفقه الذي كتبه بشر مثلنا منذ قرون واستطعنا كمسلمين أن ننشيء فقها جديدا يتوافق مع الحضارة ويحترم حقوق الانسان بغض النظر عن دينه وجنسه.

الديمقراطية هي الحل 

 DW.

خميس, 19/07/2018 - 09:31