مشكله التفرغ العلمي في الجامعات الأردنية

محمد تركي بني سلامه

 إجازة التفرغ العلمي تقليد أكاديمي عريق في غالبيه الجامعات العالمية، حيث يحصل عضو هيئة التدريس كل خمس أو ست سنوات على إجازة لمده عام  مدفوعة الأجر للتفرغ العلمي يتم خلالها إنهاء عمل معين أو تعلم مهارات جديدة أو السفر لخدمه أغراض بحثيه أو نوع من المكافاة لأخذ استراحة من العمل، وهذا التقليد متبع في كافه الجامعات الأردنية الرسمية وجامعه الأميرة سميه منفردة من الجامعات الخاصة ولا غرابة في ذلك فجامعة الاميرة سمية قصة نجاح تحقق الانجازات على كافة الصعد وفازت بالعديد من الجوائز المحلية والغربية والدولية، وبالتالي تعتبر إجازة التفرغ العلمي حق لأعضاء هيئة التدريس، وهي فرصه لهم لغايات البحث العلمي ومظهر من مظاهر التعاون بين الباحثين والجامعات التي لا يمكن ان تزدهر اذا لم يتم تشجيع التعاون والتبادل العلمي في إنتاج المعرفة ونشرها وتدريسها وكذلك فرصة تحسين الوضع المادي وذلك في ضوء تآكل رواتب  وامتيازات العاملين في الجامعات.
سابقا كان أعضاء هيئة التدريس لا يجدون صعوبة في قضاء إجازة التفرغ العلمي في الجامعات الأردنية فهناك اتفاق عام في كل الجامعات على ان أعضاء هيئة التدريس هم من يديرون الجامعة وكلياتها وأقسامها، وهناك تقاليد يتم احترامها عندما تنسب الأقسام والكليات بقبول أعضاء هيئة التدريس لقضاء إجازة تفرغ علمي ولا يحتاج عضو هيئة التدريس إلى وسائل أخرى للحصول على موافقة لقضاء إجازة التفرغ العلمي، هذه التقاليد ثرية بالدلالات وشاهد على مكانة الاستاذ الجامعي في الجامعة والمجتمع في العصر الذهبي للجامعات الأردنية منذ الستينات حتى أوائل التسعينات .
 كما أن هذه التقاليد التي فتحت المجال لتحقيق التعاون والتبادل العلمي بين الجامعات و كفلت لكل أستاذ حقوقه دون حاجه لوساطة من هذا أو نفاق وتملق لذاك. تلك الصورة الزاهية للجامعات الأردنية تلاشت في العقود الأخيرة لتحل محلها صورة أخرى تبعث على الهلع والفزع. فأصبحنا نجد اختلالا، لا بل انحدارا في القيم والتقاليد الاكاديمية، مما أدى إلى انتشار حالة من السخط والغضب بين أعضاء الهيئة الأكاديمية على المسئولين عن هذا التدهور في الحالة الجامعية.
 من الحقائق المريرة والمفزعة في الجامعات الأردنية هذه الأيام أن هذه الجامعات لا يديرها الأساتذة وإنما يتم التحكم بها من الخارج ، فالحل والربط في كل صغيرة وكبيرة  بيد الاجهزة الامنية ، ويتم اختيار من يتولون المناصب فيها طبقا لشروط تتناقض مع العلم والمعرفة والحرية والكفاءة والكرامة والمصداقية،  فاعتماد الكفاءة والجدارة  كمعيار اساسي في اشغال المواقع في الجامعات او غيرها من المواقع القيادية في البلاد لا زال  حلم بعيد المنال ولا اريد ان اتوسع في هذا الموضوع كثيرا  حيث يطول الحديث.
وقد لجأت بعض الإدارات الجامعية التي احتلت موقعها بغير وجه حق إلى التضييق على أقرانهم من أعضاء هيئة التدريس بطرق متعددة، كانت واحدة منها عدم قبول هيئة أعضاء تدريس لقضاء إجازة التفرغ العلمي في الجامعات التي كانت تستقبلهم في سابق الأيام. كما لجأت بعض الإدارات الأخرى إلى تطبيق مبدأ المعاملة بالمثل (إذا ما بتقبل من عندي ما بقبل من عندك)، وفي كل الحالات أصبح هناك تحييد للأعراف الأكاديمية والقيم الإنسانية. ولعل من المفارقات المحزنة أن رؤساء بعض الجامعات القادمين من جامعات اخرى كانوا قد قضوا إجازة التفرغ العلمي في الجامعات التي يرأسونها اليوم، وها هم اليوم يغلقونها على غيرهم، فأصبحت حراما على غيرهم بعد أن كانت عسلا سائغا لهم في قديم الزمان!
إن لب القول هو أن إجازة التفرغ العلمي قد أصبحت مكرمه يمنحها رئيس الجامعة لمن يشاء من الأصدقاء المقربين بغض النظر عن حاجه القسم والكلية أو كفاءة الشخص.  لكننا نؤكد بإن التفرغ العلمي ليس مكرمه أو منحه أو هبه يمنحها رؤساء الجامعات لمن يشاء ويمنعها عمّن يشاء، وإنما هي تقليد أكاديمي رفيع، وحق مكتسب للأستاذ الجامعي لا مساومة عليه.
وعلى أساتذة الجامعات بدء مرحله جديدة للدفاع عن حقوقهم من اجل بناء مستقبل يقوم على الحرية والكرامة، لا الخضوع والنفاق وتسول الحقوق، فاذا كان اساتذة الجامعات هم عقل الدولة ونخبة المجتمع وقادة التغيير غير قادرين على الدفاع عن القيم والاعراف الاكاديمية اولا وعن حقوقهم المكتسبة ثانيا، فكيف سيدافعو عن المجتمع او يحدثوا التغيير المنشود ففاقد الشئ لا يعطيه ، وعندها عليهم تجرع الذل والمهانة، والقبول بالتدهور والانكسار والانحطاط  والاضطهاد والطغيان!

نقلا عن رأي اليوم 

ثلاثاء, 03/08/2021 - 11:47