طريقة التعامل بين الشعوب والقادة

المصطفى اكليب

عندما حقق القائد اليوناني الأبرز الإسكندر المقدوني انتصاراته العسكرية المتتابعة فهزم ملوكا وأسقط عروشا وغير الخرائط تعاملت معه الشعوب المغلوبة كما كانت تتعامل مع ملوكها فسجدوا له سجود تعظيم واعتبروه أحق بذلك بعد أن شاهدوا ملوكهم وقادتهم يسقطون تحت سنابك خيله وضربات سيفه.
وقد أعجب القائد المنتصر بهذه الطريقة الشرقية في التعامل مع القادة والأبطال ، معتبرا أن شعوب الشرق هي التي تعطي للقادة ما يستحقونه من تعظيم وتبجيل.
وقد طلب الاسكندر المقدوني من النخبة المحيطة به من عسكريين ومدنيين أن يعاملوه كما تعامل شعوب الشرق أبطالها وقادتها فضحك بعضهم من طلب الاسكندر و أجابه أحد قادته و اصدقائه المقربين وهو له من الناصحين نيابة عن الجميع قائلا : تعامل معنا نحن اليونانيين بطريقتنا وتعامل مع الشرقيين بطريقتهم.
لقد أراد الإسكندر المقدوني أن يرد قومه إلى المرحلة الأدنى زمنيا وتاريخيا و الأكثر بدائية وتخلفا من مراحل العلاقة بين القادة والشعوب( وقد تحدث الفيلسوف الٱلماني هيجل عن تلك المراحل: المرحلة الشرقية ، المرحلة اليونانية الرومانية ، المرحلة الحديثة) وقد رفض اليونانيون تلك الطريقة في التعامل فاحترم الإسكندر خيارهم ومكانته في التاريخ وبين قومه معروفة ليست محل نزاع فعامل الشرقيين بما يناسب " تخلفهم " وعامل اليونانيين بما يناسب عقلانيتهم و وتحضرهم والمستوى الذي بلغوه من الوعي
من يطالبون بمأمورية ثالثة يفكرون بطريقة الشرقيين بتعبير هيچل ، يريدون أن يظل تاريخنا ثابتا لا يتحرك يدور حول نفسه ، أما من يطالبون باحترام الدستور وبممارسة التداول على السلطة فهم يؤمنون بحركية التاريخ وبمنطق التقدم وتجاوز المراحل و ذلك ما كانت تستحضره النخبة اليونانية عندما رفضت السجود الذي يرمز في نظرها إلى مرحلة من الوعي التاريخي تم تجاوزها
فهل تستطيع " النخبة" في مجتمعنا على اختلاف مرجعياتها أن تستحضر هذه المعاني و الدلالات وهي بصدد نقاش المأمورية الثالثة في القرن الواحد والعشرين كما استحضرتها النخبة اليونانية في القرن الرابع قبل الميلاد
الشعوب المحترمة ينبغي أن تعامل بما يناسب كرامتها ووعيها ومدى انتشار العقلانية فيها
والشعوب المتحضرة تحترم قادتها الذين قاموا بتأدية واجبهم وخدموا الأمة واحترموا دساتيرها وقوانينها حتى بعد رحيلهم ، تبني لهم تماثيل حسية ، وتماثيل معنوية في القلوب والوجدان وهي الأهم في نظري.
بل إن رحيل القادة عن السلطة يكون مناسبة بالنسبة للشعوب المتحضرة وللنخب المسؤولة لإظهار المحبة الخالصة والوفاء الصادق بعد ذهاب صولجان الملك وهيبة السلطة

....................................

نقلا عن صفحة الكاتب 

سبت, 25/08/2018 - 18:34