..في يوم السبت 28 نوفمبر عام 1908، حين حمي الوطيس في سهل لكويشيش، التفت قائد المعركة الأمير أحمد ولد الديد، إلى صديق عمره أحمد سالم ولد أحويريه، وكان فارسا مغوارا لا يشق له غبار، وأخبره بأنه يشعر بعطش شديد،
تطلع ولد أحويريه من حوله، فأبصر من بعيد فرسا قتل صاحبها، عليها قربة ماء، كان الكر والفر على أشدهما والقلوب قد بلغت الحناجر، زحف ولد أحويريه بشجاعة ورباطة جأش، بين الغبار والصراخ والرصاص حتى أمسك بحافر تلك الفرس وسحبها إليه، وجذب القربة التي كانت عليها وحل رباطها وأدناها للأمير وقال له:"إشرب"، ألتف ولد الديد إلى صديق عمره ونظر مطولا في وجهه المبتسم والمعفر بالتراب، ثم رد عليه رباط القربة بلطف وهو يقول:"والله، يا أحمد سالم, لقد ابتلت كل عروقي وما عدت أشعر بالعطش"،
الذين كتبوا تاريخنا، فعلوا ذلك دائما بتقشف شديد وببخل نادر، فحرمونا من كل حكاياته الطافحة بالعزة والعنفوان والجنون وحولوه إلى دهاليز موحشة وباردة للغاية، لكن هذا التاريخ العنيد بطبعه، عرف كيف ينتقم لنفسه من أولئك البؤساء ومنا، فجعلنا نحتفل في نفس ذلك اليوم (28 نوفمبر) من كل عام، ومن حيث لا ندري، بجنون الأمير ولد الديد وصديق عمره ولد أحويريه...