حكومة مصرية جديدة أم سياسات جديدة؟

عماد الدين حسين

ما الذي تحتاجه مصر أكثر في الفترة المقبلة: حكومة جديدة، أم سياسات جديدة؟ قولا واحدا نحن نحتاج إلى سياسات جديدة، ومن الممكن أن ينفذها أي وزير أو رئيس حكومة.

أطرح هذا السؤال بمناسبة الحكومة الجديدة التي يشكلها الدكتور مصطفى مدبولي وزير الإسكان بديلاً لحكومة المهندس شريف إسماعيل التي قدمت استقالتها قبل نحو أسبوعين، بعد ثلاثة أيام فقط من أداء الرئيس عبدالفتاح السيسي لليمين الدستورية لفترة رئاسية ثانية.

طبعا وتوضيحا للسؤال الذي بدأنا به الكلام، فتشكيل حكومة جديدة أمر مهم، لأنه يعنى ضخا لدماء جديدة في شرايين العمل العام. واستمرار المسؤول أكثر مما ينبغي في منصبه، قد يؤدي إلى التكلس والجمود والبطء وعدم الابتكار. لكن شرط أن يكون ذلك مصحوبا بسياسات واستراتيجيات ورؤى سليمة وواضحة وقابلة للتنفيذ.

والسؤال الجوهري: هل ذلك موجود؟!

أخشى أن الإجابة هي لا.

لا أقصد بالسؤال أن يرد ع البعض بقولهم: "ولكن هناك خطة أو رؤية أو استراتيجية 2030، وبها كل ما تطلبه!".

القصد الرئيسي هو أن تكون الرؤى قابلة للتنفيذ، وليس فقط موضوعة في كتيب ممتاز ومصحوبة برسومات توضيحية وجداول بيانية ملونة وجذابة!

 

حضرت العديد من الندوات واللقاءات والفعاليات الخاصة برؤية 2030، والتحدي الأساسي هو نقل هذه الكلام المنمق إلى أرض الواقع. أعرف بعضا ممن ساهم في وضع هذه الرؤية، وأعرف نواياهم الطيبة، بل أدرك الدور الكبير الذي لعبه وزير التخطيط السابق الدكتور أشرف العربي في وضع وإخراج هذه الرؤية، وأعرف أكثر الدور الذي تستكمله وزيرة التخطيط الحالية د. هالة السعيد، لكن مرة أخرى القضية أو الأزمة أو المشكلة ليست في الأشخاص أو في الخطط المكتوبة.

ولكن في التنفيذ، وكيف يمكن دمج كل جهود الوزارات والهيئات والمؤسسات المختلفة العامة والخاصة، في بوتقة واحدة، بحيث تقود في وقت محدد إلى اختراق وتقدم يجعل المواطنين يشعرون أن هناك  تقدما.

هناك نجاحات واضحة للحكومة في أكثر من مجال خلال السنوات الأربعة الماضية، خصوصا في ملفات الطرق  والجسور والمدن الجديدة والكهرباء والغاز، وبدء القضاء على فيروس سي. لكن هناك إخفاقات في ملفات أخرى، تحتاج تنسيقا أكبر بحيث لا تكون النجاحات مجرد جزر منعزلة.

من المعروف لمن يتابع تاريخ الحكومة المصرية منذ ثورة يوليو 1952، فإنها ليست الصانع الأول للسياسات، لأن رئيس الجمهورية هو رئيس السلطة التنفيذية، وبالتالي فسلطة رئيس الوزراء تظل محدودة، رغم الصلاحيات التي اكتسبها في الدستور الأخير الصادر عام 2014.

في مصر نجاح أي وزارة أو مؤسسة عامة ينسب للرئيس، وبالتالي فإن أي إخفاق هو أيضا الذي يتحمله.

السؤال المهم كيف يمكن إيجاد سياسات جديدة تنفذها أي حكومة موجودة في الحكم؟!

السؤال متشابك، وهو يلخص سر العديد من الأزمات التي ضربت مصر في الحقب الأخيرة؟

هناك أولا  تحدى الإرهاب الذي ضرب ويضرب البلاد منذ عام 2013، ويضرب في المنطقة منذ عام 2011.

هناك ثانيا، ومرتبطا بالتحدي الأول ذلك  الصراع المحتدم مع تيار الإسلام السياسي، الذي لجأت العديد من فصائله إلى العنف والإرهاب، الأمر الذي يؤدي إلى تأخير التقدم في ملفات أخرى.

هناك ثالثا المنطقة المضطربة جدا والمحيطة بمصر، والتي تجعلها تتحسب للعديد من السيناريوهات.

هناك رابعا فشل الحكومة في إحداث أي قدر من التوافق الوطني مع بقية القوى السياسية المدنية، الأمر الذي أدى إلى إصابة الحياة السياسية بالشلل التام.

هناك خامسا تراجع فكرة الديمقراطية والتعددية في المجتمع بأكمله نتيجة لمتغيرات وأسباب كثيرة بعد 30 يونيو/ حزيران 2013.

هناك سادسا الضعف الشديد الذي اعترى القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني في السنوات الأخيرة الأمر الذي أدى لغياب المبادرة والدعوة لسياسات جديدة.

وهناك سابعا الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تضرب البلاد منذ سنوات، وهناك رهان على بدء حلها مع تطبيق عملية الإصلاح الاقتصادي الجارية حاليا.

تحتاج مصر في الفترة المقبلة إلى حسم أمورها والتوجه نحو المستقبل والسير في طريق إصلاح التعليم وترجمة كلام رئيس الجمهورية بالبدء في «بناء الإنسان » إلى أرض الواقع. إصلاح التعليم ومعه إصلاح القطاع الصحي سيكون البداية الفعلية للسياسات الجديدة.

 كل التوفيق للحكومة الجديدة ونتمنى أن تراهن على المستقبل، وألا تكتفى فقط بتنمية الحجر وبناء الطرق والجسور - مع كل أهميتها - بل وتيقن أن بناء الإنسان هو الذي يحقق النجاح وليس أي شيء آخر.

DW.

اثنين, 18/06/2018 - 16:52