||ظرفٌ حجازيٌّ||

أحمد سالم مقام

قال الطايعُ الحسنيُّ -رحمه الله- مستفسِرًا:
يا مُظهِرًا في بلادِ الدِّينِ لِلأُمَرا ** ما كان مِن مُّشكلاتِ الفقهِ مُستتِرا
ما حُكمُ شخصٍ يُصلِّي، وهْوَ مُفترِضٌ ** مستقبلَ الحجرِ الأسنى ومُعتمِرا
حتى رأى خَدْلةَ الساقين مائسةً ** مَيْسَ الغُصونِ تَرى في مَيسِها فَتَرَا
فَثَمَّ أَتْبَعَ طَرفَ العينِ مَيْسَتَها ** سَهوًا، فخالَسَها مِن حينِه نَظَرا
ما زال يُتْبِعُها عينيْه مائسةً ** خَلْفَ المصلِّين حتى استَدبَر الحجرَا
أذاك يُعذَرُ في استِدباره الحَجَرا ** أم لا؟، وقد رحِمَ الرحمنُ مَن عَذَرا

فأجابه محمدُّ بن محمدٍ -رحمه الله-:
يا طائعَ اللهِ في ما اللهُ قد أمَرا ** به، ومقتفيًا لِّلمصطفى أثَرا
لا زلتَ تَعبُرُ مِن بحرِ العُلا لُجَجًا ** تَستخرجُ اللؤلؤَ المكنونَ والدُّرَرا
فإنْ تكُ الخودُ أبدتْ في توددِها ** مَيسَ النَّسِيمِ، وفي ألحاظِها حَوَرا
فليس يُمْسِكُ عنها الطرفَ ذو بصرٍ ** كلا، ولستُ أرى في فِعلِه وَزَرا
بذا أجبتُ، ولم أخش الخلافَ كما ** قد قال قبلُ مُجيدًا سيدُ الشعرا:
"لا يُمسِكُ الطرفَ عن جَيداءَ مُنْعَمةٍ ** إلَّا امرؤٌ لا تَرَى في وجهِه بَصَرَا"(1)
[المصدر: كناشة الوالد حبيب الله ابن مقام رحمه الله].
*************
(1) قُلتُ –ولا قول لي-: ساقَ صاحبُ الجوابِ البيتَ الأخيرَ مساقَ التضمين. وقد بحثتُ عن البيت ونسبتِه، ثم اطلعتُ في إحدى التدوينات (بموقع الطرة) على مساجلة شعرية بين محمد الأمين بن الشيخ المعلوم وأحمدُّ بن أحمذي -رحمهما الله- ضُمن فيها البيتُ مع الإشارة إلى احتمال نسبته لعمر بن أبي ربيعة، وذلك في قول ابن الشيخ المعلوم:
واذكرْ لِذلكَ ما قد قالَه عُمرٌ ** إِنْ صحَّ يا خِلُّ أنَّ القولَ منه جَرى
لا يُمسِكُ الطرفَ عن جَيدا مُنَعَّمةٍ ** إلَّا امرؤٌ لا تَرى في وجهِه بَصَرَا
ولكني لم أعثر عليه في ديوان ابن أبي ربيعة، ولا فيما وقفتُ عليه من مجاميع الشعر العربي لا نصًّا ولا نسبةً.
ثم عثرتُ عليه بصيغة مقاربة في قصيدة نسيبية مشهورة لحرمة بن عبد الجليل العلوي ر-حمه الله-، مطلعُها:
إلى متى تُظهِرُ السلوانَ، والفِكَرُ ** تَعلو بقلبِك أحيانًا وتَنْحدِرُ؟
ورواية البيتِ عندَه هي:
لا يُصدِرُ الطرفَ عَن جَيدا منعَّمةٍ ** إلا امرؤٌ لم يكن في وجهِه بَصرُ
وهو أقدمُ هؤلاءِ، وأولُهم زمنًا.
والله تعالى أعلى وأعلم.

جمعة, 21/02/2020 - 21:59