أن يكون معظم أبناء الوطن فاسدين؛ فذاك هو الغالب الأعم.
لكن ان يكون ذلك الفساد ممنهجا من طرف الدولة وتسهر عليه؛ بل وتقننه وتشرعنه؛ فتلك لعمري الطامة الكبرى.
فمن المعروف، أن الموظف يتلقى راتبه و علاوته -إن وجدت- مقابل أداء خدمة عامة للدولة.
وهو راتب - في الغالب الأعم - زهيد وطفيف لا يغطي أبسط حاجيات الموظف المتشعبة والتي تزداد يوما بعد يوم بفعل تعدد الحاجيات وإكراهات المدنية والمجتمعية، وما يصاحبها من عادات مستحدثة؛ يبدو أن دولتنا لم تبوب عليها، ولم تضعها نصب أعينها في بنودها المكونة لجزئيات رواتب وعلاوات موظفيها.
مما يجعلهم أمام وضعية لايحسدون عليها، فإما أن ينهمكوا في إنجاز المهمة الموكلة إليهم وبأحسن ما يكون، في تلك الظروف المادية السابقة الذكر -وقليل ماهم- وإما
أن يسلكوا طرائق قددا ملتوية، تريحهم من أداء تلك المهام، بدافع ضآلة الدخل؛ ليتفرغوا لشأنهم الخاص، فيصبح الراتب - حينئذ- غير مستحق. وهذا هو حال الغالب الأعم من موظفينا.
هذا الاختلال ، تصاحبه وضعية أخرى أكثر اختلالا. تمارسها الدولة عن وعي أو بغيره، لايهم.
المهم أنه واقع والدولة هي المسؤولة عنه، ويتمثل في استحداثها الكثير من الوظائف في الهيكلة الإدارية لمؤسساتها العمومية و الإداربة، والتي هي في غنى عنها.
وظائف في حد ذاتها هي المسماة "البطالة المقنعة" بشحمها ولحمها.
هذه الوظائف التي لادور، ولا مردودية تذكر لها ؛ سيصبح شاغلوها مستحقين - بقوة القانون- لعلاوات جدد بفعل "الوظيفة الوهم" المستحدثة إضافة لرواتبهم الأصلية.
ونذكر من تلك الوظائف - على سبيل المثال لا الحصر- وظيفة:
- مدير مساعد وغيرها كثير من رؤساء مصالح وأقسام مما هو ترف وظيفي غير عملي بالمرة.
حالة تدعو القائمين على الشأن العام، إلى حسن التسيير والتدبير، ومنه الاقتصار مستقبلا في أي هيكلة مرتقبة، على أقل مجزئ من الكادر البشري، وإلغاء باقي الوظائف التي يتساوى وجودها وعدمه، و تثقل كاهل الدولة .
هذا إضافة إلى توجيه هؤلاء الأشخاص أصحاب الوظائف الوهمية، قِبَلَ أماكن أخرى هي أكثر حاجة إليهم، وأشد إلحاحا.
ليس ذلك فقط؛ بل ونقل تلك الامتيازات المادية إلى رواتب أو علاوات أشخاص آخرين فاعلين ميدانيين؛ هم إليها أشد حاجة، ولها أكثر استحقاقا، ممن يؤدون عملهم في كل الظروف مهما قست والذين مررنا عليهم لماما في بداية هذا المقال؛ ويحسن بتسميتهم "الأنموذج"
وبذلك نوازن بين الخدمة والدخل، وننصف المستحقين، ونشجع الهاربين السابقي الذكر، إلى العودة إلى قواعدهم سالمين غانمين.
فنجمع بين التسيير المعقلن للمصادر البشرية؛ والتدبير المقنن للموارد المالية ؛ ونوجه كل منهما الوجهة المناسبة.
إضافة إلى تحفيز الجادين المستحقين لذلك أثناء أدائهم وظائفهم.
فينصف الجميع، وتعم ورشات البناء أرجاء الوطن، ويرسم الموظفون بربشاتهم ملامح الوطن الذي يصبون إليه.